ولم يكن التجار يحملون خياما ، فكان مبيتنا جميعا فى العراء ، ولكن أحدا منا لم يكن يغمض له جفن قبل أن يضع متاعه فى وضع يتعذر فيه على اللصوص السطو عليه دون أن يتنبه لهم. ولم نكن نخشى لصوصا من الخارج ، بل كنا على يقين من أن فى نفر من أصحابنا جنوحا إلى السرقة ، وقد سطا هؤلاء على متاع بعضنا المرة بعد المرة خلال الرحلة برغم كل ما اتخذنا من حيطة وحذر.
٦ مارس ـ طفقنا نضرب فى وادى أم الحبال ثلاث ساعات حتى وقفنا عند فج فى سلسلة التلال الغربية ، وهنا ألفينا بين الصخور مستودعا طبيعيا كبيرا لمياه المطر ، وكان ماؤه صافيا عذبا زلالا. واسم المكان ومحبت ، ويطريه العرب كثيرا لأن ماءه قلما ينضب ، وموقعه فى شق من الجبل يبدو أنه من فعل زلزال عنيف. ويجد الداخل إليه أكواما من الكتل الجرانيتية الكبيرة ، تتزايد كلما ارتقى التل إلى ارتفاع كبير ، وهناك مستودعان آخران للماء فى سعة الخزان السفلى وإن كان المرتقى إليهما عسيرا. أما الوادى نفسه فلا يخلو من جمال وروعة أضفتهما عليه الطبيعة ، وعرضه أربعون ياردة ، وهو حافل بشجر السنط ، وتحفه على الجانبين جروف قائمة من كتل الجرانيت المهشمة ذات الأشكال الغريبة. وحين يهطل المطر الغزير ـ وما أكثر ما يهطل فى هذه الأرجاء ـ تتجمع المياه المنحدرة من سلسلة التلال الغربية فتؤلف سيلا كبيرا قيل لى إنه يصب فى النيل قرب قرية دهميت على ثمانى ساعات من أسوان صوب الجنوب ، وعلى نحو أربع ساعات من دمحيت ناحية الجنوب الغربى نبع ماء صاف يدعى المويلح ، وترتاده القوافل الخارجة من أسوان. ومكثنا هنا اليوم كله ، فقد درجت القوافل فى الصحراء الشرقية على أن تسير هونا فى الأيام الثلاثة أو الأربعة الأولى من الرحلات الطويلة حتى تألف الإبل مشقة الرحلة شيئا فشيئا بعد شهور الراحة التى نعمت بها ، وهم يبطئون على الأخص حيث الكلأ الطيب والمرعى الجيد. وليس للوقت وتضييعه على هذا النحو أهمية عند تجار الشرق عموما وعند العرب خصوصا ، وقد روى لى فى دمشق أن القوافل الخارجة منها إلى بغداد قد تستغرق فى طىّ البادية ثلاثة شهور فى الربيع. وصادفنا هنا أيضا أرجالا كبيرة من الجراد.