لا يكون إلا جمعا لمذكر عاقل ، ولكنه لما كان مبنيا التزم فيه طريقة واحدة في اللفظ عند أكثر العرب ، وهذيل أتت بصيغة الجمع فيه بالواو والنون رفعا والياء والنون نصبا وجرا ، وكل العرب التزمت جمع الضمير العائد عليه من صلته كما يعود على الجمع المذكر العاقل ، فدل هذا كله على أن ما ذكره ليس بمسوغ لأن يوضع الذي موضع الذين إلا على التأويل الذي ذكرناه من إرادة الجمع أو النوع ، وقد رجع إلى ذلك الزمخشري أخيرا.
وقرأ ابن السميفع : كمثل الذين ، على الجمع ، وهي قراءة مشكلة ، لأنا قد ذكرنا أن الذي إذا كان أصله الذين فحذفت نونه تخفيفا لا يعود الضمير عليه إلا كما يعود على الجمع ، فكيف إذا صرح به؟ وإذا صحت هذه القراءة فتخريجها عندي على وجوه :
أحدها : أن يكون إفراد الضمير حملا على التوهم المعهود مثله في لسان العرب ، كأنه نطق بمن الذي هو لفظ ومعنى ، كما جزم بالذي من توهم أنه نطق بمن الشرطية ، وإذا كان التوهم قد وقع بين مختلفي الحد ، وهو إجراء الموصول في الجزم مجرى اسم الشرط ، فبالحري أن يقع بين متفقي الحد ، وهو الذين ، ومن الموصولان مثال الجزم بالذي ، قول الشاعر ، أنشده ابن الأعرابي :
كذاك الذي يبغي على الناس ظالما |
|
تصبه على رغم عواقب ما صنع |
الثاني : أن يكون إفراد الضمير ، وإن كان عائدا على جمع اكتفاء بالإفراد عن الجمع كما تكتفي بالمفرد الظاهر عن الجمع ، وقد جاء مثل ذلك في لسان العرب ، أنشد أبو الحسن :
وبالبدو منا أسرة يحفظوننا |
|
سراع إلى الداعي عظام كراكره |
أي كراكرهم.
والثالث : أن يكون الفاعل الذي في استوقد ليس عائدا على الذين ، وإنما هو عائد على اسم الفاعل المفهوم من استوقد ، التقدير استوقد هو ، أي المستوقد ، فيكون نحو قوله تعالى : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ) (١) أي هو أي البداء المفهوم من بدا على أحد التأويلات في الفاعل في الآية ، وفي العائد على الذين وجهان على هذا التأويل. أحدهما : أن يكون حذف وأصله لهم ، أي كمثل الذي استوقد لهم المستوقد نارا وإن لم تكن فيه شروط الحذف المقيس ، فيكون مثل قول الشاعر :
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ٣٥.