لأن مقابلها من وصف المنافق إنما هو نزر يسير من التقييد بالإسلام ، وجوانحه منطوية على الكفر والنفاق مملوءة به ، فشبه حاله بحال من استوقد نارا ما إذ لا يدل إلا على المطلق ، لا على كثرة ولا على عهد ، والفاء في فلما للتعقيب ، وهي عاطفة جملة الشرط على جملة الصلة ، ومن زعم أنها دخلت لما تضمنته الصلة من الشرط وقدره أن استوقد فهو فاسد من وجوه ، وقد تقدم الرد على ما يشبه هذا الزعم في قوله : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) ، فأغنى عن إعادته هنا.
وأضاءت : قيل متعد وقيل لازم ومتعد ، قالوا : وهو أكثر وأشهر ، فإذا كان متعديا كانت الهمزة فيه للنقل ، إذ يقال : ضاء المكان ، كما قال العباس بن عبد المطلب ، في النبي عليه الصلاة والسلام : وأنت لما ولدت أشرقت الأرض وضاءت بنورك الأفق. والفاعل إذ ذاك ضمير النار وما مفعولة وحوله صلة معمولة لفعل محذوف لا نكرة موصوفة وحوله صفة لقلة استعمال ما نكرة موصوفة ، وقد تقدم لنا الكلام في ذلك ، أي فلما أضاءت النار المكان الذي حوله ، وإذا كان لازما فقالوا : إن الضمير في أضاءت للنار ، وما زائدة ، وحوله ظرف معمول للفعل ، ويجوز أن يكون الفاعل ليس ضمير النار ، وإنما هو ما الموصولة وأنث على المعنى ، أي : فلما أضاءت الجهة التي حوله ، كما أنثوا على المعنى في قولهم : ما جاءت حاجتك. وقد ألم الزمخشري بهذا الوجه ، وهذا أولى مما ذكروه لأنه لا يحفظ من كلام العرب : جلست ما مجلسا حسنا ، ولا قمت ما يوم الجمعة ، والحمل على المعنى محفوظ ، كما ذكرناه ، ولو سمع زيادة في ما نحو هذا ، لم يكن ذلك من مواضع اطراد زيادة ما ، والأولى في الآية بعد ذلك أن يكون أضاءت متعدية ، فلا تحتاج إلى تقدير زيادة ، ولا حمل على المعنى.
وقرأ ابن السميفع ، وابن أبي عبلة : فلما ضاءت ثلاثيا فيتخرج على زيادة ما وعلى أن تكون هي الفاعلة ، إما موصولة وإما موصوفة ، كما تقدم ، ولما جوابها : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) ، وجمع الضمير في : بنورهم حملا على معنى الذي ، إذ قررنا أن المعنى كالجمع الذي استوقد ، أو على ذلك المحذوف الذي قدره بعضهم ، وهو كمثل أصحاب الذي استوقد ، وأجازوا أن يكون جواب لما محذوفا لفهم المعنى ، كما حذفوه في قوله : (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا) (١) ، الآية. قال الزمخشري : وإنما جاز حذفه لاستطالة الكلام مع أمن الإلباس الدال عليه ، انتهى. وقوله : لاستطالة الكلام غير مسلم لأنه لم يستطل
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ١٥.