الكلام ، لأنه قدره خمدت ، وأي استطالة في قوله : (فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ) ، خمدت؟ بل هذا لما وجوابها ، فلا استطالة بخلاف قوله : (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ) ، فإن الكلام قد طال بذكر المعاطيف التي عطفت على الفعل وذكر متعلقاتها بعد الفعل الذي يلي لما ، فلذلك كان الحذف سائغا لاستطالة الكلام. وقوله : مع أمن الإلباس ، وهذا أيضا غير مسلم ، وأي أمن إلباس في هذا ولا شيء يدل على المحذوف؟ بل الذي يقتضيه ترتيب الكلام وصحته ووضعه مواضعه أن يكون (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) هو الجواب ، فإذا جعلت غيره الجواب مع قوة ترتب ذهاب الله بنورهم على الإضاءة ، كان ذلك من باب اللغز ، إذ تركت شيئا يبادر إلى الفهم وأضمرت شيئا يحتاج في تقديره إلى وحي يسفر عنه ، إذ لا يدل على حذفه اللفظ مع وجود تركيب (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ).
ولم يكتف الزمخشري بأن جوز حذف هذا الجواب حتى ادعى أن الحذف أولى ، قال : وكان الحذف أولى من الإثبات ، لما فيه من الوجازة مع الإعراب عن الصفة التي حصل عليها المستوقد بما هو أبلغ للفظ في أداء المعنى ، كأنه قيل : فلما أضاءت ما حوله خمدت ، فبقوا خابطين في ظلام ، متحيرين متحسرين على فوت الضوء ، خائبين بعد الكدح في إحياء النار ، انتهى. وهذا الذي ذكره نوع من الخطابة لا طائل تحتها ، لأنه كان يمكن له ذلك لو لم يكن يلي قوله : (فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ) ، قوله : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ). وأما ما في كلامه بعد تقدير خمدت إلى آخره ، فهو مما يحمل اللفظ ما لا يحتمله ، ويقدر تقادير وجملا محذوفة لم يدل عليها الكلام ، وذلك عادته في غير ما كلام في معظم تفسيره ، ولا ينبغي أن يفسر كلام الله بغير ما يحتمله ، ولا أن يزاد فيه ، بل يكون الشرح طبق المشروح من غير زيادة عليه ولا نقص منه. ولما جوز واحذف الجواب تكلموا في قوله تعالى : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) ، فخرجوا ذلك على وجهين : أحدهما : أن يكون مستأنفا جواب سؤال مقدر كأنه قيل : ما بالهم قد أشبهت حالهم حال هذا المستوقد؟ فقيل : ذهب الله بنورهم. والثاني : أن يكون بدلا من جملة التمثيل على سبيل البيان ، قالهما الزمخشري ، وكلا الوجهين مبنيان على أن جواب لما محذوف ، وقد اخترنا غيره وأنه قوله تعالى : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) والوجه الثاني من التخريجين اللذين تقدم ذكرهما ، وهو أن يكون قوله : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) بدلا من جملة التمثيل ، على سبيل البيان ، لا يظهر في صحته ، لأن جملة التمثيل هي قوله : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) ، فجعله (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) بدلا من هذه الجملة ، على سبيل البيان ، لا يصح ، لأن البدل لا يكون في الجمل