إلا إن كانت الجملة فعلية تبدل من جملة فعلية ، فقد ذكروا جواز. ذلك. أما أن تبدل جملة فعلية من جملة اسمية فلا أعلم أحدا أجاز ذلك ، والبدل على نية تكرار العامل. والجملة الأولى لا موضع لها من الإعراب لأنها لم تقع موقع المفرد ، فلا يمكن أن تكون الثانية على نية تكرار العامل ، إذ لا عامل في الأولى فتكرر في الثانية فبطلت جهة البدء فيها ، ومن جعل الجواب محذوفا جعل الضمير في بنورهم عائدا على المنافقين. والباء في بنورهم للتعدية ، وهي إحدى المعاني الأربعة عشر التي تقدم أن الباء تجيء لها ، وهي عند جمهور النحويين ترادف الهمزة. فإذا قلت : خرجت بزيد ؛ فمعناه أخرجت زيدا ، ولا يلزم أن تكون أنت خرجت ، وذهب أبو العباس إلى أنك إذا قلت : قمت بزيد ، دل على أنك قمت وأقمته ، وإذا قلت : أقمت زيدا ، لم يلزم أنك قمت ، ففرق بين الباء والهمزة في التعدية. وإلى نحو من مذهب أبي العباس ذهب السهيلي ، قال : تدخل الباء ، يعني المعدية ، حيث تكون من الفاعل بعض مشاركة للمفعول في ذلك الفعل نحو : أقعدته ، وقعدت به ، وأدخلته الدار ، ودخلت به ، ولا يصح هذا في مثل : أمرضته ، وأسقمته. فلا بد إذن من مشاركة ، ولو باليد ، إذا قلت : قعدت به ، ودخلت به. ورد على أبي العباس بهذه الآية ونحوها. ألا ترى أن المعنى أذهب الله نورهم؟ ألا ترى أن الله لا يوصف بالذهاب مع النور؟ قال بعض أصحابنا ، ولا يلزم ذلك أبا العباس : إذ يجوز أن يكون الله وصف نفسه بالذهاب على معنى يليق به ، كما وصف نفسه تعالى بالمجيء في قوله : (وَجاءَ رَبُّكَ) (١) ، والذي يفسد مذهب أبي العباس من التفرقة بين الباء والهمزة قول الشاعر :
ديار التي كانت ونحن على منى |
|
تحل بنا لو لا نجاء الركائب |
أي تحلنا ألا ترى أن المعنى تصيرنا حلالا غير محرمين ، وليست تدخل معهم في ذلك لأنها لم تكن حراما ، فتصير حلالا بعد ذلك؟ ولكون الباء بمعنى الهمزة لا يجمع بينهما ، فلا يقال : أذهبت بزيد ، ولقوله تعالى : (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) (٢) ، في قراءة من جعله رباعيا تخريج يذكر في مكانه ، إن شاء الله تعالى. ولباء التعدية أحكام غير هذا ذكرت في النحو. وقرأ اليماني : أذهب الله نورهم ، وهذا يدل على مرادفة الباء للهمزة ، ونسبة الإذهاب إلى الله تعالى حقيقة ، إذ هو فاعل الأشياء كلها.
وفي معنى : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) ثلاثة أقوال : قال ابن عباس : هو مثل ضرب
__________________
(١) سورة الفجر : ٨٩ / ٢٢.
(٢) سورة المؤمنون : ٢٣ / ٢٠.