الظلمات. وسيأتي الكلام على ذلك ، إن شاء الله. ونكرت الظلمات ولم تضف إلى ضميرهم كما أضيف النور اكتفاء بما دل عليه المعنى من إضافتها إليهم من جهة المعنى واختصار اللفظ ، وإن كان ترك متعديا لواحد فيحتمل أن يكون : في ظلمات ، في موضع الحال من المفعول ، فيتعلق بمحذوف ، ولا يبصرون : في موضع الحال أيضا ، إما من الضمير في تركهم وإمّا من الضمير المستكن في المجرور فيكون حالا متداخلة ، وهي في التقديرين حال مؤكدة. ألا ترى أن من ترك في ظلمة لزم من ذلك أنه لا يبصر؟ وإن كان ترك مما يتعدى إلى اثنين كان في ظلمات في موضع المفعول الثاني ، ولا يبصرون جملة حالية؟ ولا يجوز أن يكون في ظلمات في موضع الحال ، ولا يبصرون جملة في موضع المفعول الثاني ، وإن كان يجوز ظننت زيدا منفردا لا يخاف ، وأنت تريد ظننت زيدا في حال انفراده لا يخاف لأن المفعول الثاني أصله خبر المبتدأ ، وإذا كان كذلك فلا يأتي الخبر على جهة التأكيد ، إنما ذلك على سبيل بعض الأحوال لا الإخبار. فإذا جعلت في ظلمات في موضع الحال كان قد فهم منها أن من هو في ظلمة لا يبصر ، فلا يكون في قوله لا يبصرون من الفائدة إلا التوكيد ، وذلك لا يجوز في الإخبار. ألا ترى إلى تخريج النحويين قول امرئ القيس :
إذا ما بكى من خلفها انحرفت له |
|
بشق وشق عندنا لم يحول |
على أن وشق مبتدأ وعندنا في موضع الخبر ، ولم يحول جملة حالية أفادت التأكيد ، وجاز الابتداء بالنكرة لأنه موضع الخبر ، لأنه يؤدي إلى مجيء الخبر مؤكدا ، لأن نفي التحويل مفهوم من كون الشق عنده ، فإذا استقر عنده ثبت أنه لم يحول عنه. قال ابن عباس : والظلمات هنا العذاب ، وقال مجاهد : ظلمة الكفر ، وقال قتادة : ظلمة يلقيها الله عليهم بعد الموت ، وقال السدّي : ظلمة النفاق ، ولم يذكر مفعول لا يبصرون ، ولا ينبغي أن ينوي ، لأن المقصود نفي الإبصار عنهم لا بالنسبة إلى متعلقه.
قرأ الجمهور : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) ، بالرفع وهو على إضمار مبتدأ تقديره هم صم ، وهي أخبار متباينة في اللفظ والدلالة الوضعية ، لكنها في موضع خبر واحد ، إذ يؤول معناها كلها إلى عدم قبولهم الحق وهم سمعاء الآذان ، فصح الألسن ، بصراء الأعين ، لكنهم لم يصيخوا إلى الحق ولا نطقت به ألسنتهم ، ولا تلمحوا أنوار الهداية ، وصفوا بما وصفوا من الصمم والبكم والعمى ، وقد سمع عن العرب لهذا نظائر ، أنشد الزمخشري من ذلك أبياتا ، وأنشد غيره :