راجعة إلى منعوت واحد ، إلا إن كان ذلك النعت لا يمكن تبعيته للمنعوت ، فيكون إذ ذاك نعتا للنعت الأول ، نحو قولك : يا أيها الفارس ذو الجمة. وأجاز أبو محمد مكي نصبه بإضمار أعني ، وما قبله ليس بملتبس ، فيحتاج إلى مفسر له بإضمار أعني ، وأجاز أيضا نصبه بتتقون ، وهو إعراب غث ينزه القرآن عن مثله. وإنما أتى بقوله الذي دون واو لتكون هذه الصفة وما قبلها راجعين إلى موصوف واحد ، إذ لو كانت بالواو لأوهم ذلك موصوفا آخر ، لأن العطف أصله المغايرة.
وجعل : بمعنى صير ، لذلك نصبت الأرض. وفراشا ، ولكم متعلق بجعل ، وأجاز بعضهم أن ينتصب فراشا وبناء على الحال ، على أن يكون جعل بمعنى خلق ، فيتعدى إلى واحد ، وغاير اللفظ كما غاير في قوله : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) (١) ، لأنه قصد إلى ذكر جملتين ، فغاير بين اللفظين لأن التكرار ليس في الفصاحة ، كاختلاف اللفظ والمدلول واحد. وأدغم أبو عمرو لام جعل في لام لكم ، والألف واللام في الأرض يجوز أن تكون للجنس الخاص ، فيكون المراد أرضا مخصوصة ، وهي كل ما تمهد واستوى من الأرض وصلح أن يكون فراشا. ويجوز أن تكون لاستغراق الجنس ، ويكون المراد بالفراش مكان الاستقرار واللبث لكل حيوان. فالوهد مستقر بني آدم وغيرهم من الحيوانات ، والجبال والحزون مستقر لبعض الآدميين بيوتا أو حصونا ومنازل ، أو لبعض الحيوانات وحشا وطيرا يفترشون منها أوكارا ، ويكون الامتنان على هذا مشتملا على كل من جعل الأرض له قرارا. وغلب خطاب من يعقل على من لا يعقل ، أو يكون خطاب الامتنان وقع على من يعقل ، لأن ما عداهم من الحيوانات معد لمنافعهم ومصالحهم ، فخلقها من جملة المنة على من يعقل. وقرأ يزيد الشامي : بساطا ، وطلحة : مهادا. والفراش ، والمهاد ، والبساط ، والقرار ، والوطاء نظائر.
وقد استدل بعض المنجمين بقوله : (جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً) على أن الأرض مبسوطة لا كرية ، وبأنها لو كانت كرية ما استقر ماء البحار فيها. أما استدلاله بالآية فلا حجة له في ذلك ، لأن الآية لا تدل على أن الأرض مسطحة ولا كرية ، إنما دلت على أن الناس يفترشونها كما يتقلبون بالمفارش ، سواء كانت على شكل السطح أو على شكل الكرة ، وأمكن الافتراش فيها لتباعد أقطارها واتساع جرمها. قال الزمخشري : وإذا كان يعني الافتراش سهلا في الجبل ، وهو وتد من أوتاد الأرض ، فهو أسهل في الأرض ذات الطول
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ١.