فعلى قول أبي العباس يكون كونهم في ريب ماضيا ، ويصير نظير ما لو جاء إن كنت أحسنت إليّ فقد أحسنت إليك ، إذا حمل على ظاهره ولم يتأول. ولهذا قال بعض المفسرين في قوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ) : جرى كلام الله فيه على التحقيق ، مثال قول الرجل لعبده : إن كنت عبدي فأطعني لأن الله تعالى عالم بما تكنه القلوب ، قال : وبين هذا أن سبب نزول هذه الآية قول اليهود : وإنا لفي شك مما جاء به ، وجعلها بمعنى إذا وكان ماضيه اللفظ والمعنى ، أو مثل قول القائل : إن كنت عبدي فأطعني ، فرارا من جعل ما بعد إن مستقبل المعنى وذلك ممكن ، ولا تنافي بين إن كانوا في ريب فيما مضى وإن تعلق على كونهم في ريب في المستقبل ، لأن الماضي من الجائز أن يستدام ، بأن يظهر لمعتقد الريب فيما مضى خلاف ذلك فيزول عنه الريب ، فقيل : وإن كنتم ، أي : وإن تكونوا في ريب ، باستصحاب الحالة الماضية التي سبقت لكم ، فأتوا ، وهذا مثل من يقول لولده العاق له : إن كنت تعصيني فارحل عني ، فمعناه : إن تكن في المستقبل تعصيني فارحل عني ، لا يريد التعليق على الماضي ، ولا أن إن بمعنى إذا ، إذ لا تنافي بين تقدّم العصيان وتعليق الرحيل على وقوعه في المستقبل ، ولا حاجة إلى جعل ما يثبت حرفيته بمعنى إذا الظرفية.
وقد تقدّم لنا أنه لا تنافي بين قوله تعالى : (لا رَيْبَ فِيهِ) وبين قوله : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ) عند الكلام على قوله : (لا رَيْبَ فِيهِ). وفي ريب من تنزيل المعاني منزلة الإجرام. ومن تحتمل ابتداء الغاية والسببية ، ولا يجوز أن تكون للتبعيض. وما موصولة ، أي من الذي نزلنا ، والعائد محذوف ، أي نزلناه ، وشرط حذفه موجود. وأجاز بعضهم أن تكون ما نكرة موصوفة ، وقد تقدم لنا الكلام على ما النكرة الموصوفة ، ونزلنا التضعيف فيه هنا للنقل ، وهو المرادف لهمزة النقل. ويدل على مرادفتهما في هذه الآية قراءة يزيد بن قطيب مما أنزلنا بالهمزة ، وليس التضعيف هنا دالا على نزوله منجما في أوقات مختلفة ، خلافا للزمخشري ، قال : فإن قلت لم قيل : مما نزلنا على لفظ التنزيل دون الإنزال؟ قلت : لأن المراد النزول على التدريج والتنجيم ، وهو من مجازه لمكان التحدي.
وهذا الذي ذهب إليه الزمخشري في تضعيف عين الكلمة هنا ، هو الذي يعبر عنه بالتكثير ، أي يفعل ذلك مرة بعد مرة ، فيدل على هذا المعنى بالتضعيف ويعبر عنه بالكثرة. وذهل الزمخشري عن إن ذلك إنما يكون غالبا في الأفعال التي تكون قبل التضعيف متعدية ، نحو : جرحت زيدا ، وفتحت الباب ، وقطعت ، وذبحت ، لا يقال : جلس زيد ، ولا قعد عمرو ، ولا صوم جعفر ، ونزلنا لم يكن متعديا قبل التضعيف إنما كان لازما ، وتعديه إنما