يفيده التضعيف أو الهمزة ، فإن جاء في لازم فهو قليل. قالوا : مات المال ، وموّت المال ، إذا كثر ذلك فيه ، وأيضا ، فالتضعيف الذي يراد به التكثير إنما يدل على كثرة وقوع الفعل ، أما أن يجعل اللازم متعديا فلا ، ونزلنا قبل التضعيف كان لازما ولم يكن متعديا ، فيكون التعدي المستفاد من التضعيف دليلا على أنه للنقل لا للتكثير ، إذ لو كان للتكثير ، وقد دخل على اللازم ، بقي لازما نحو : مات المال ، وموّت المال. وأيضا فلو كان التضعيف في نزل مفيدا للتنجيم لاحتاج قوله تعالى : (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) (١) إلى تأويل ، لأن التضعيف دال على التنجيم والتكثير ، وقوله : (جُمْلَةً واحِدَةً) ينافي ذلك. وأيضا فالقراءات بالوجهين في كثير مما جاء يدل على أنهما بمعنى واحد. وأيضا مجيء نزل حيث لا يمكن فيه التكثير والتنجيم إلا على تأويل بعيد جدا يدل على ذلك.
قال تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ) (٢) ، وقال تعالى : (قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً) (٣) ، ليس المعنى على أنهم اقترحوا تكرير نزول الآية ، ولا أنه علق تكرير نزول ملك رسول على تقدير كون ملائكة في الأرض ، وإنما المعنى ، والله أعلم ، مطلق الإنزال. وفي نزلنا التفات لأنه انتقال من ضمير الغائب إلى ضمير المتكلم ، لأن قبله (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) و (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً). فلو جرى الكلام على هذا السياق لكان مما نزل على عبده ، لكن في هذا الالتفات من التفخيم للمنزل والمنزل عليه ما لا يؤديه ضمير غائب ، لا سيما كونه أتى بنا المشعرة بالتعظيم التام وتفخيم الأمر ونظيره ، (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا) (٤) ، وتعدي نزل بعلى إشارة إلى استعلاء المنزل على المنزل عليه وتمكنه منه ، وأنه قد صار كالملابس له ، بخلاف إلى فإنها تدل على الانتهاء والوصول.
ولهذا المعنى الذي أفادته على تكرار ذلك في القرآن في آيات ، قال تعالى : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) (٥) (طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) (٦) ، (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) (٧). وفي إضافة العبد إليه تعالى تنبيه على عظيم قدره ، واختصاصه بخالص
__________________
(١) سورة الفرقان : ٢٥ / ٣٢.
(٢) سورة الأنعام : ٦ / ٣٧.
(٣) سورة الإسراء : ١٧ / ٩٥.
(٤) سورة الأنعام : ٦ / ٩٩.
(٥) سورة آل عمران : ٣ / ٣.
(٦) سورة طه : ٢٠ / ٢٠.
(٧) سورة آل عمران : ٣ / ٧.