العبودية ، ورفع محله وإضافته إلى نفسه تعالى ، واسم العبد عام وخاص ، وهذا من الخاص :
لا تدعني إلا بيا عبدها |
|
لأنه أشرف أسمائي |
ومن قرأ : على عبادنا بالجمع ، فقيل : يريد رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأمته ، قاله الزمخشري ، وصار نظير قوله تعالى : أن يقولوا : (إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا) (١) ، لأن جدوى المنزل والهداية الحاصلة به من امتثال التكاليف ، والموعود على ذلك لا يختص بل يشترك فيه المتبوعون والتباع ، فجعل كأنه نزل عليهم. وذلك نوع من المجاز يجعل فيه من لم يباشر الشيء إذا كان مكلفا به منزلة من باشر ، ويحتمل أن يريد به النبيين الذين أنزل عليهم الوحي ، والكتب والرّسول أول مقصود بذلك ، وأسبق داخل في العموم ، لأنه هو الذي طلب معاندوه بالتحدي في كتابه ، ويكون ذلك خطابا لمنكري النبوات ، كما قال تعالى ، حكاية عن بعضهم : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) (٢). ويحتمل أن يراد بالمفرد الجمع. وتبينه هذه القراءة كقوله تعالى : (وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ) (٣) ، في قراءة من أفرد ، فيكون إذ ذاك للجنس.
فأتوا بسورة : طلب منهم الإتيان بمطلق سورة ، وهي القطعة من القرآن التي أقلها ثلاث آيات ، فلم يقترح عليهم الإتيان بسورة طويلة فتعنتوا في ذلك ، بل سهل عليهم وأراح عليهم بطلب الإتيان بسورة ما ، وهذا هو غاية التبكيت والتخجيل لهم. فإذا كنتم لا تقدرون أنتم ولا معاضدوكم بالإتيان بسورة من مثله ، فكيف تزعمون أنه من جنس كلامكم؟ وكيف يلحقكم في ذلك ارتياب أنه من عند الله؟
وقد تعرض الزمخشري هنا لذكر فائدة تفصيل القرآن وتقطيعه سورا ، وليس ذلك من علم التفسير ، وإنما هو من فوائد التفصيل والتسوير. من مثله : الهاء عائدة على ما ، أو على عبدنا ، والراجح الأول وهو قول أكثر المفسرين ورجحانه من وجوه : أحدها : أن الارتياب أولا إنما جيء به منصبا على المنزل لا على المنزل عليه ، وإن كان الريب في المنزل ريبا في المنزل عليه بالالتزام ، فكان عود الضمير عليه أولى. الثاني : أنه قد جاء في نظير هذه
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ١٥٦.
(٢) سورة الأنعام : ٦ / ٩١.
(٣) سورة ص : ٣٨ / ٤٥.