السادس : في أنه لا يخلق على كثرة الرد ، ولا تمله الأسماع ، ولا يمحوه الماء ، ولا تغنى عجائبه ، ولا تنتهي غرائبه ، ولا تزول طلاوته على تواليه ، ولا تذهب حلاوته من لهوات تاليه. السابع : من مثله في دوام آياته وكثرة معجزاته. الثامن : من مثله ، أي مثله في كونه من كتب الله المنزلة على من قبله ، تشهد لكم بأن ما جاءكم به ليس هو من عند الله ، كما قال تعالى : (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١) وإن جعلنا الضمير عائدا على المنزل عليه ، فمن متعلقة بقوله : فأتوا من مثل الرسول بسورة. ومعنى من على هذا أوجه ابتداء الغاية ، ويجوز أن تكون في موضع الصفة فتتعلق بمحذوف. وهي أيضا لابتداء الغاية ، أي بسورة كائنة من رجل مثل الرسول ، أي ابتداء كينونتها من مثله.
وفي المثلية على كون الضمير عائدا على المنزل على أقوال : الأول : من مثله من أمي لا يحسن الكتابة على الفطرة الأصلية. الثاني : من مثله لم يدارس العلماء ، ولم يجالس الحكماء ، ولم يؤثر عنه قبل ذلك تعاطي الأخبار ، ولم يرحل من بلده إلى غيره من الأمصار. الثالث : من مثله على زعمكم أنه ساحر شاعر مجنون. الرابع : من مثله من أبناء جنسه وأهل مدرته ، وذكر المثل في قوله : من مثله هو على سبيل الفرض على أكثر الأقوال التي فسرت بها المماثلة ، إذا كان الضمير عائدا على المنزل ، وعلى بعضها لا يكون على سبيل الفرض ، وهو على قول من فسر أنه أراد بالمثل : كلام العرب الذي هو من جنسه ، وأما إذا كان عائدا على المنزل عليه فليس على سبيل الفرض ، لوجود أمي لا يحسن الكتابة ، ولوجود من لم يدارس العلماء ، ولوجود من هو ساحر على زعمهم ذلك في المنزل عليه.
واختار الزمخشري أن لا مثل ولا نظير. قال بعد أن فسر المثل على تقدير عود الضمير على المنزل : فائتوا بسورة مما هو على صفته في البيان الغريب وعلو الطبقة في حسن النظم ، وعلى تقدير عوده على المنزل عليه ، أو فأتوا ممن هو على حاله من كونه بشرا عربيا أو أميا لم يقرأ الكتب ولم يأخذ من العلماء ، قال الزمخشري ، ولا قصد إلى مثل ونظير هنالك ، ولكنه نحو قول القبعثري للحجاج ، وقال له : لأحملنك على الأدهم مثل الأمير حمل على الأدهم والأشهب. أراد من كان على صفة الأمير من السلطان والقوة وبسطة اليد ، ولم يقصد أحدا يجعله مثلا للحجاج. انتهى كلام الزمخشري. وعلى ما
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١١١.