بفضل الله من وقع منه الإيمان وتحقق به وبالأعمال الصالحة. والصالحات : جمع صالحة ، وهي صفة جرت مجرى الأسماء في إيلائها العوامل ، قال الحطيئة :
كيف الهجاء وما ينفك صالحة |
|
من آل لام بظهر الغيب تأتيني |
فعلى هذا انتصابها على أنها مفعول بها ، والألف واللام في الصالحات للجنس لا للعموم ، لأنه لا يكاد يمكن أن يعمل المؤمن جميع الصالحات ، لكن يعمل جملة من الأعمال الصحيحة المستقيمة في الدين على حسب حال المؤمن في مواجب التكليف. والفرق بين لام الجنس إذا دخلت على المفرد ، وبينها إذا دخلت على الجمع ، أنها في المفرد يحتمل أن يراد بها واحد من الجنس ، وفي الجمع لا يحتمله. قال عثمان بن عفان : الصالح ما أخلص لله تعالى ، وقال معاذ بن جبل : ما احتوى على أربعة : العلم والنية والصبر والإخلاص ، وقال سهل بن عبد الله : ما وافق الكتاب والسنة ، وقال علي بن أبي طالب : الصلوات في أوقاتها وتعديل أركانها وهيآتها ، وقيل : الأمانة ، وقيل : التوبة والاختيار ، قول الجمهور : وهو كل عمل صالح أريد به الله. قال ابن عطية : وفي قوله تعالى : (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) ردّ على من يقول : إن لفظة الإيمان بمجردها تقتضي الطاعات ، لأنه لو كان ذلك ما أعادها ، انتهى كلامه ، وفي ذلك أيضا دليل على أن الذين أمر الله بأن يبشروا هم من جمعوا بين الإيمان والأعمال الصالحات ، وأن من اقتصر على الإيمان فقط دون الأعمال الصالحات لا يكون مبشرا.
من هذه الآية : وبشر يتعدى لمفعولين : أحدهما بنفسه ، والآخر بإسقاط حرف الجر. فقوله : (أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ) هو في موضع هذا المفعول ، وجاز حذف حرف الجر مع أن قياسا مطردا ، واختلفوا بعد حذف الحرف ، هل موضع أن ومعموليها جر أم نصب؟ فمذهب الخليل والكسائي : أن موضعه جر ، ومذهب سيبويه والفراء : أن موضعه نصب ، والاستدلال في كتب النحو. وجنات : جمع جنة ، جمع قلة ، فروي عن ابن عباس أنها سبع جنات. وقال قوم : هي ثمان جنات. وزعم بعض المفسرين أن في تضاعيف الكتاب والسنة ما يدل على أنها أكثر من العدد الذي أشار إليه ابن عباس وغيره ، قال : فإنه قال : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ) (١) ، (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) (٢) ، (وَمِنْ دُونِهِما
__________________
(١) سورة القمر : ٥٤ / ٥٤.
(٢) سورة الرحمن : ٥٥ / ٤٦.