الفعل ، وبكيف إنكار لحاله ؛ وإنكار حاله إنكار لذاته ، لأن ذاته لا تخلو من حال يقع فيها ، فاستلزم إنكار الحال إنكار الذات ضرورة ، وهو أبلغ ، إذ يصير ذلك من باب الكناية حيث قصد إنكار الحال ، والمقصود إنكار وقوع ذات الكفر. قال الزمخشري : وتحريره أنه إذا أنكر أن يكون لكفرهم حال يوجد عليها ، وقد علم أن كل موجود لا ينفك من حال وصفة عند وجوده ، ومحال أن يوجد تغير صفة من الصفات ، كان إنكارا لوجوده على الطريق البرهاني ، انتهى كلامه.
وهذا الخطاب فيه التفات ، لأن الكلام قبل كان بصورة الغيبة ، ألا ترى إلى قوله : (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) إلى آخره؟ وفائدة هذا الالتفات أن الإنكار إذا توجه إلى المخاطب كان أبلغ من توجهه إلى الغائب لجواز أن لا يصله الإنكار ، بخلاف من كان مخاطبا ، فإن الإنكار عليه أردع له عن أن يقع فيما أنكر عليه. والناصب ل (كَيْفَ تَكْفُرُونَ). وأتى بصيغة تكفرون مضارعا ولم يأت به ماضيا وإن كان الكفر قد وقع منهم ، لأن الذي أنكر أو تعجب منه الدوام على ذلك ، والمضارع هو المشعر به ولئلا يكون ذلك توبيخا لمن وقع منه الكفر ثم آمن ، إذ لو جاء كيف كفرتم (بِاللهِ) لاندرج في ذلك من كفرتم آمن كأكثر الصحابة رضياللهعنهم. والواو في قوله : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) : واو الحال ، نحو قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) (١) ، (وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ) (٢). قال الزمخشري : فإن قلت فكيف صح أن يكون حالا ، وهو ماض؟ ولا يقال : جئت وقام الأسير ، ولكن : وقد قام ، إلا أن يضمر قد. قلت : لم تدخل الواو على كنتم أمواتا وحده ، ولكن على جملة قوله : كنتم أمواتا إلى ترجعون ، كأنه قيل : كيف تكفرون بالله وقصتكم هذه وحالكم أنكم كنتم أمواتا نطفا في أصلاب آبائكم فجعلكم أحياء؟ (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) بعد هذه الحياة؟ (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) بعد الموت ثم يحاسبكم؟ انتهى كلامه. ونحن نقول : إنه على إضمار قد ، كما ذهب إليه أكثر الناس ، أي وقد كنتم أمواتا فأحياكم. والجملة الحالية عندنا فعلية. وأما أن نتكلف ونجعل تلك الجملة اسمية حتى نفر من إضمار قد ، فلا نذهب إلى ذلك ، وإنما حمل الزمخشري على ذلك اعتقاده أن جميع الجمل مندرجة في الحال ، ولذلك قال : فإن قلت ، بعض القصة ماض وبعضها مستقبل ، والماضي والمستقبل كلاهما لا يصح أن يقع حالا حتى يكون فعلا حاضرا وقت وجود ما هو حال عنه ، فما الحاضر الذي
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ٤٥.
(٢) سورة هود : ١١ / ٤٢.