في التفسير الغاية التي لا تدرك ، والمسلك الوعر الذي لا يكاد يسلك ، وعرضتهما على محك النظر ، وأوريت فيهما نار الفكر ، حتى خلص دسيسهما ، وبرز نفيسهما ، وسيرى ذلك من هو للنظر أهل ، واجتمع فيه إنصاف وعدل ، فإنه يتعجب من التولج على الضراغم ، والتحرز لأشبالها والأنف راغم ، إذ هذان الرجلان هما فارسا علم التفسير ، وممارسا تحريره والتحبير. نشراه نشرا ، وطار لهما به ذكرا ، وكانا متعاصرين في الحياة ، متقاربين في الممات.
ولد أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر الزمخشري بزمخشر ، قرية من قرى خوارزم ، يوم الأربعاء ، السابع عشر لرجب ، سنة سبع وستين وأربعمائة ، وتوفي بگرگانج ، قصبة خوارزم ، ليلة عرفة ، سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة. وولد أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن تمام بن عبد الرؤوف بن عبد الله بن تمام بن عطية المحاربي ، من أهل غرناطة ، سنة إحدى وثمانين وأربعمائة ، وتوفي بلورقة ، في الخامس والعشرين لرمضان ، سنة إحدى وأربعين وخمسمائة ، هكذا ذكره القاضي ابن أبي جمرة في وفاة ابن عطية. وقال الحافظ أبو القاسم بن بشكوال : توفي ، يعني ابن عطية ، سنة اثنين وأربعين وخمسمائة.
وكتاب ابن عطية أنقل وأجمع وأخلص ، وكتاب الزمخشري ألخص وأغوص ، إلا أن الزمخشري قائل بالطفرة ، ومقتصر من الذؤابة على الوفرة ، فربما سنح له آبى المقادة فأعجزه اغتياصه ، ولم يمكنه لتأنيه اقتناصه ، فتركه عقلا لمن يصطاده ، وغفلا لمن يرتاده ، وربما ناقض هذا المنزع ، فثنى العنان إلى الواضح ، والسهل اللائح ، وأجال فيه كلاما ، ورمى نحو غرضه سهاما ، هذا مع ما في كتابه من نصرة مذهبه ، وتقحم مرتكبه ، وتجشم حمل كتاب الله عزوجل عليه ، ونسبة ذلك إليه ، فمغتفر إساءته لإحسانه ، ومصفوح عن سقطه في بعض لإصابته في أكثر تبيانه ، فما كان في كتابي هذا من تفسير الزمخشري ، رحمهالله تعالى ، فأخبرني به أستاذنا العلامة أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير ، قراءة مني عليه فيه ، وإجازة أيام كنت أبحث معه في كتاب سيبويه ، عن القاضي ابن الخطاب محمد بن أحمد بن خليل السكوني ، عن أبي طاهر بركات بن إبراهيم بن طاهر الخشوعي وأخبرني به عاليا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي ، عرف بابن البخاري في كتابه إلي من دمشق عن أبي طاهر الخشوعي ، وهو آخر من حدث عنه عن الزمخشري.