التناسب اللفظي. وقد حصل التناسب المعنوي بحذف الفاعل ، إذ هو قبل البناء للمفعول مبني للفاعل. وأما قراءة مجاهد ، ومن ذكر معه ، فإنه يفوت التناسب المعنوي ، إذ لا يلزم من رجوع الشخص إلى شيء أن غيره رجعه إليه ، إذ قد يرجع بنفسه من غير رادّ. والمقصود هنا إظهار القدرة والتصرف التام بنسبة الإحياء والإماتة ، والإحياء والرجوع إليه تعالى ، وإن كنا نعلم أن الله تعالى هو فاعل الأشياء جميعها. وفي قوله تعالى : (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) من الترهيب والترغيب ما يزيد المسيء خشية ويرده عن بعض ما يرتكبه ، ويزيد المحسن رغبة في الخير ويدعوه رجاؤه إلى الازدياد من الإحسان ، وفيها رد على الدهرية والمعطلة ومنكري البعث ، إذ هو بيده الإحياء والإماتة والبعث وإليه يرجع الأمر كله.
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) : مناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة ، وهو أنه لما ذكر أن من كان منشئا لكم بعد العدم ومفنيا لكم بعد الوجود وموجدا لكم ثانية ، إما في جنة ، وإما إلى نار ، كان جديرا أن يعبد ولا يجحد ، ويشرك ولا يكفر. ثم أخذ يذكرهم عظيم إحسانه وجزيل امتنانه من خلق جميع ما في الأرض لهم ، وعظيم قدرته وتصرفه في العالم العلوي ، وأن العالم العلوي والعالم السفلي بالنسبة إلى قدرته على السواء ، وأنه عليم بكل شيء. ولفظة هو من المضمرات وضع للمفرد المذكر الغائب ، وهو كلي في الوضع كسائر المضمرات ، جرى في النسبة المخصوصة حالة الاستعمال ، فما من مفرد مذكر غائب إلا ويصح أن يطلق عليه هو ، لكن إذا أسند لهذا الاسم شيء تعين. ومشهور لغات العرب تخفيف الواو مفتوحة ، وشددتها همدان ، وسكنتها أسد وقيس ، وحذف الواو مختص بالشعر. ولهؤلاء المنسوبين إلى علم الحقائق وإلى التصوف كلام غريب بالنسبة لمعقولنا ، رأيت أن أذكره هنا ليقع الذكر فيه.
قالوا : أسماء الله تعالى على ثلاثة أقسام : مظهرات ، ومضمرات ، ومستترات. فالمظهرات : أسماء ذات ، وأسماء صفات ، وهذه كلها مشتقة ، وأسماء الذات مشتقة وهي كثيرة ، وغير المشتق واحد وهو الله. وقد قيل : إنه مشتق ، والذي ينبغي اعتقاده أنه غير مشتق ، بل اسم مرتجل دال على الذات. وأما المضمرات فأربعة : أنا في مثل : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا) (١) ، وأنت في مثل : (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ) (٢) ، وهو في مثل : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ) (٣) ، ونحن في مثل : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ) (٤). قالوا : فإذا تقرر هذا فالله أعظم
__________________
(١) سورة النحل : ١٦ / ٢.
(٢) سورة الأنبياء : ٢١ / ٨٧.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ٢٩.
(٤) سورة يوسف : ١٢ / ٣.