على شيء إلا بإذن. وذهب قوم إلى أن الوقف لنا تعارض عندهم دليل القائلين بالإباحة ، ودليل القائلين بالحظر قالوا بالوقف. وحكى أبو بكر بن فورك عن ابن الصائغ أنه قال : لم يخل العقل قط من السمع ، فلا نازلة إلا وفيها سمع ، أو لها تعلق به أثر لها حال تستصحب ، وإذا جعلنا اللام للسبب ، فليس المعنى أن الله فعل شيئا لسبب ، لكنه لما فعل ما لو فعله غيره لفعله لسبب أطلق عليه لفظ السبب واندرج تحت قوله : (ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) ، جميع ما كانت الأرض مستقرا له من الحيوان والنبات والمعدن والجبال ، وجميع ما كان بواسطة من الحرف والأمور المستنبطة. واستدل بعضهم بذلك على تحريم الطين ، قال : لأنه خلق لنا ما في الأرض دون نفس الأرض.
وقد تقدم قبل هذا الامتنان بجعل الأرض لنا فراشا ، وهنا امتن بخلق ما فيها لنا وانتصب جميعا على الحال من المخلوق ، وهي حال مؤكدة لأن لفظة ما في الأرض عام ، ومعنى جميعا العموم. فهو مرادف من حيث المعنى للفظة كل كأنه قيل : ما في الأرض كله ، ولا تدل على الاجتماع في الزمان ، وهذا هو الفارق بين معا وجميعا. وقد تقدم شيء من ذلك عند الكلام على مع ، ومن زعم أن المعنى بقوله : ما في الأرض ، الأرض وما فيها ، فهو بعيد عن مدلول اللفظ ، لكنه تفسير معنى من هذا اللفظ ، ومن قوله تعالى : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً) (١) ، فانتظم من هذين الأرض وما فيها خلق الله ذلك لنا. وقال الزمخشري : إن أراد بالأرض الجهات السفلية دون الغبراء ، كما تذكر السماء ، ويراد بها الجهات العلوية ، جاز ذلك ، فإن الغبراء وما فيها واقعة في الجهات السفلية. وقال بعض المنسوبين للحقائق : خلق لكم ليعد نعمه عليكم ، فتقتضي الشكر من نفسك لتطلب المزيد منه. وقال أبو عثمان : وهب لك الكل وسخره لك لتستدل به على سعة جوده وتسكن إلى ما ضمنه لك من جزيل العطاء في المعاد ، ولا تستكثر كثير بره على قليل عملك ، فإنه قد ابتدأك بعظيم النعم قبل العمل وقبل التوحيد. وقال ابن عطاء : خلق لكم ليكون الكون كله لك وتكون لله فلا تشتغل بما لك عما أنت له. وقال بعض البغداديين : أنعم عليك بها ، فإن الخلق عبدة النعم لاستيلاء النعم عليهم ، فمن ظهر للحضرة أسقط عنه المنعم رؤية النعم. وقال الثوري : أعلى مقامات أهل الحقائق الانقطاع عن العلائق (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) : والعطف بثم يقتضي التراخي في الزمان ، ولا زمان إذ ذاك ، فقيل : أشار بثم إلى التفاوت الحاصل بين خلق السماء والأرض في القدر ، وقيل :
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٢.