سواء ، أي وازن كامل تام ، أو جعلهن سواء من قوله : (إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) (١) أو تسوية سطوحها بالإملاس. والضمير في فسوّاهن عائد على السماء على أنها جمع سماوة ، أو على أنه اسم جنس فيصدق إطلاقه على الفرد والجمع ، ويكون مرادا به هنا الجمع. قال الزمخشري ، والضمير في فسواهن ضمير مبهم. و (سَبْعَ سَماواتٍ) تفسيره كقولهم : ربه رجلا ، انتهى كلامه. ومفهومه أنّ هذا الضمير يعود على ما بعده ، وهو مفسر به ، فهو عائد على غير متقدّم الذكر. وهذا الذي يفسره ما بعده : منه ما يفسر بجملة ، وهو ضمير الشأن أو القصة ، وشرطها عند البصريين أن يصرح بجزأيها ، ومنه ما يفسر بمفرد ، أي غير جملة ، وهو الضمير المرفوع بنعم وبئس وما جرى مجراهما. والضمير المجرور بربّ ، والضمير المرفوع بأول المتنازعين على مذهب البصريين ، والضمير المجعول خبره مفسرا له ، والضمير الذي أبدل منه مفسره في إثبات هذا القسم الأخير خلاف ، وذلك نحو : ضربتهم قومك ، وهذا الذي ذكره الزمخشري ليس واحدا من هذه الضمائر التي سردناها ، إلا أن تخيل فيه أن يكون سبع سموات بدلا منه ومفسرا له ، وهو الذي يقتضيه تشبيه الزمخشري له بربه رجلا ، وأنه ضمير مبهم ليس عائدا على شيء قبله ، لكن هذا يضعف بكون هذا التقدير يجعله غير مرتبط بما قبله ارتباطا كليا ، إذ يكون الكلام قد تضمن أنه تعالى استوى على السماء ، وأنه سوى سبع سموات عقيب استوائه إلى السماء ، فيكون قد أخبر بإخبارين : أحدهما استواؤه إلى السماء والآخر : تسويته سبع سموات.
وظاهر الكلام أن الذي استوى إليه هو بعينه المستوي سبع سموات. وقد أعرب بعضهم سبع سموات بدلا من الضمير على أن الضمير عائد على ما قبله ، وهو إعراب صحيح ، نحو : أخوك مررت به زيد ، وأجازوا في سبع سموات أن يكون منصوبا على المفعول به ، والتقدير : فسوى منهن سبع سموات ، وهذا ليس بجيد من حيث اللفظ ومن حيث المعنى. أما من حيث اللفظ فإن سوى ليس من باب اختار ، فيجوز حذف حرف الجر منه في فصيح الكلام ، وأما من حيث المعنى فلأنه يدل على أن السموات كثيرة ، فسوى منهن سبعا ، والأمر ليس كذلك ، إذ المعلوم أن السموات سبع. وأجازوا أيضا أن يكون مفعولا ثانيا لسوى ، ويكون معنى سوى : صير ، وهذا ليس بجيد ، لأن تعدي سوى لواحد هو المعلوم في اللغة ، (فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) (٢) ، (قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) (٣). وأما جعلها
__________________
(١) سورة الشعراء : ٢٦ / ٩٨.
(٢) سورة الانفطار : ٨٢ / ٧.
(٣) سورة القيامة : ٧٥ / ٤.