فيتعدى باللام نحو قوله تعالى : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (١) وفي تعديها لما بعدها بغير الحرف ونصبها له خلاف مذكور في النحو ، وإنما خالفت هذه الأمثلة التي للمبالغة أفعالها المتعدية بنفسها ، لأنها بما فيها من المبالغة أشبهت أفعل التفضيل ، وأفعل التفضيل حكمه هكذا. قال تعالى : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ) (٢) ، وقال الشاعر :
أعطى لفارهة حلو مراتعها
وقال :
أكر وأحمى للحقيقة منهم
فإن جاء بعده ما ظاهره أنه منصوب به نحو قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُ) (٣) ، وقول الشاعر :
وأضرب منا بالسيوف القوانسا
أول بأنه معمول لفعل محذوف يدل عليه أفعل التفضيل.
(شَيْءٍ) : قد تقدم اختلاف الناس في مدلول شيء. فمن أطلقه على الموجود والمعدوم كان تعلق العلم بهما من هذه الآية ظاهرا ، ومن خصه بالموجود فقط كان تعلق علمه تعالى بالمعدوم مستفادا من دليل آخر غير هذه الآية. (عَلِيمٌ) ؛ قد ذكرنا أنه من أمثلة المبالغة ، وقد وصف تعالى نفسه بعالم وعليم وعلام ، وهذان للمبالغة. وقد أدخلت العرب الهاء لتأكيد المبالغة في علامة ، ولا يجوز وصفه به تعالى. والمبالغة بأحد أمرين : أما بالنسبة إلى تكرير وقوع الوصف سواء اتحد متعلقه أم تكثر ، وأما بالنسبة إلى تكثير المتعلق لا تكثير الوصف. ومن هذا الثاني المبالغة في صفات الله تعالى ، لأن علمه تعالى واحد لا تكثير فيه ، فلما تعلق علمه تعالى بالجميع كلية وجزئية دقيقة ، وجليلة معدومة وموجودة ، وصف نفسه تعالى بالصفة التي دلت على المبالغة ، وناسب مقطع هذه الآية بالوصف بمبالغة العلم ، لأنه تقدم ذكر خلق الأرض والسماء والتصرف في العالم العلوي والسفلي وغير ذلك من الإماتة والإحياء ، وكل ذلك يدل على صدور هذه الأشياء عن العلم الكامل التام المحيط بجميع الأشياء. وقال بعض الناس : العليم من كان علمه من ذاته ، والعالم من كان علمه متعديا من غيره ، وهذا ليس بجيد لأن الله تعالى قد وصف نفسه بالعالم ، ولم
__________________
(١) سورة هود : ١١ / ١٠٧.
(٢) سورة الإسراء : ١٧ / ٥٤.
(٣) سورة الأنعام : ٦ / ١١٧.