وقعت بعد ألف فقلبت همزة. سبحانك : معناه تنزيهك ، وسبحان اسم وضع موضع المصدر ، وهو مما ينتصب بإضمار فعل من معناه لا يجوز إظهاره ، وهو من الأسماء التي لزمت النصب على المصدرية ، ويضاف ويفرد ، فإذا أفرد كان منونا ، نحو قول الشاعر :
سبحانه ثم سبحانا نعوذ به |
|
وقبلنا سبح الجودي والجمد |
فقيل : صرفه ضرورة ، وقيل : لجعله نكرة وغير منون ، نحو قول الشاعر :
أقول لما جاءني فخبره |
|
سبحان من علقمة الفاخر |
جعله علما فمنعه الصرف للعلمية وزيادة الألف والنون. وزعم بعض النحويين أنه إذا أفرد كان مقطوعا عن الإضافة ، فعاد إليه التنوين ، ومن لم ينونه جعله بمنزلة قبل وبعد ، وقد ردّ هذا القول في كتب النحو. الحكيم : فعيل بمعنى مفعل ، من أحكم الشيء : أتقنه ومنعه من الخروج عما يريده. الإبداء : الإظهار ، والكتم : الإخفاء.
(وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ) : لم يرد في سبب نزول هذه الآيات شيء. ومناسبتها لما قبلها أنه لما امتن عليهم بخلق ما في الأرض لهم ، وكان قبله إخراجهم من العدم إلى الوجود ، أتبع ذلك ببدء خلقهم ، وامتن عليهم بتشريف أبيهم وتكريمه وجعله خليفة وإسكانه دار كرامته ، وإسجاد الملائكة تعظيما لشأنه وتنبيها على مكانه واختصاصه بالعلم الذي به كمال الذات وتمام الصفات ، ولا شك أن الإحسان إلى الأصل إحسان إلى الفرع ، وشرف الفرع بشرف الأصل. واختلف المعربون في إذ ، فذهب أبو عبيدة وابن قتيبة إلى زيادتها ، وهذا ليس بشيء ، وكان أبو عبيدة وابن قتيبة ضعيفين في علم النحو. وذهب بعضهم إلى أنها بمعنى قد ، التقدير : وقد قال ربك ، وهذا ليس بشيء ، وذهب بعضهم إلى أنه منصوب نصب المفعول به بأذكر ، أي واذكر : (إِذْ قالَ رَبُّكَ) ، وهذا ليس بشيء ، لأن فيه إخراجها عن بابها ، وهو أنه لا يتصرف فيها بغير الظرفية ، أو بإضافة ظرف زمان إليها. وأجاز ذلك الزمخشري وابن عطية وناس قبلهما وبعدهما ، وذهب بعضهم إلى أنها ظرف. واختلفوا ، فقال بعضهم : هي في موضع رفع ، التقدير : ابتداء خلقكم. وقال بعضهم في موضع نصب ، التقدير : وابتداء خلقكم ، إذ قال ربك. وناسب هذا التقدير لما تقدم قوله : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) (١) ، وكلا هذين القولين لا تحرير فيه ، لأن ابتداء خلقنا لم يكن وقت قول الله للملائكة : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) ، لأن الفعل العامل في
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٩.