ابتلى به آدم وذريته ، كقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم». وقيل : خاطبه من الأرض ولم يصعد إلى السماء بعد الطرد واللعن ، وكان خطابه وسوسة ، وقد أكثر المفسرون في نقل قصص كثير في قصة آدم وحواء والحية ، والله أعلم بذلك ، وتكلموا في كيفية حاله حين أكل من الشجرة ، أكان ذلك في حال التعمد ، أم في حال غفلة الذهن عن النهي بنسيان ، أم بسكر من خمر الجنة ، كما ذكروا عن سعيد بن المسيب. وما أظنه يصح عنه ، لأن خمر الجنة ، كما ذكر الله تعالى ، (لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) (١) إلا إن كانت الجنة في الأرض ، على ما فسره بعضهم ، فيمكن أن يكون خمرها يسكر. والذين قالوا : بالعمد ، قالوا : كان النهي نهي تنزيه ، وقيل : كان معه من الفزع عند إقدامه ما صير هذا الفعل صغيرة. وقيل : فعله اجتهادا ، وخالف لأنه تقدم الإشارة إلى الشخص لا إلى النوع ، فتركها وأكل أخرى. والاجتهاد في الفروع لا يوجب العقاب. وقيل كان الأكل كبيرة ، وقيل : أتاهما إبليس في غير صورته التي يعرفانها ، فلم يعرفاه ، وحلف لهما أنه ناصح. وقيل : نسي عداوة إبليس ، وقيل : يجوز أن يتأول آدم (وَلا تَقْرَبا) أنه نهي عن القربان مجتمعين ، وأنه يجوز لكل واحد أن يقرب ، والذي يسلك فيما اقتضى ظاهره بعض مخالفة تأويله على أحسن محمل ، وتنزيه الأنبياء عن النقائص. وسيأتي الكلام على ما يرد من ذلك ، وتأويله على الوجه الذي يليق ، إن شاء الله.
وفي (المنتخب) للإمام أبي عبد الله محمد بن أبي الفضل المرسي ما ملخصه : منعت الأمة وقوع الكفر من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، إلا الفضيلية من الخوارج ، قالوا : وقد وقع منهم ذنوب ، والذنب عندهم كفر ، وأجاز الإمامية إظهار الكفر منهم على سبيل التقية ، واجتمعت الأمة على عصمتهم من الكذب والتحريف فيما يتعلق بالتبليغ ، فلا يجوز عمدا ولا سهوا ، ومن الناس من جوز ذلك سهوا وأجمعوا على امتناع خطئهم في الفتيا عمدا واختلفوا في السهو. وأما أفعالهم فقالت الحشوية : يجوز وقوع الكبائر منهم على جهة العمد. وقال أكثر المعتزلة : بجواز الصغائر عمدا إلا في القول ، كالكذب. وقال الجبائي : يمتنعان عليهم إلا على جهة التأويل. وقيل : يمتنعان عليهم ، إلا على جهة السهو والخطأ ، وهم مأخوذون بذلك ، وإن كان موضوعا عن أمتهم. وقالت الرافضة : يمتنع ذلك على كل جهة. واختلف في وقت العصمة فقالت الرافضة : من وقت مولدهم ، وقال كثير من المعتزلة : من وقت النبوة. والمختار عندنا : أنه لم يصدر عنهم ذنب حالة النبوة البتة ، لا
__________________
(١) سورة الصافات : ٣٧ / ٤٧.