الكبيرة ولا الصغيرة ، لأنهم لو صدر عنهم الذنب لكانوا أقل درجة من عصاة الأمة ، لعظيم شرفهم ، وذلك محال. ولئلا يكونوا غير مقبولي الشهادة ، ولئلا يجب زجرهم وإيذاؤهم ، ولئلا يقتدى بهم في ذلك ، ولئلا يكونوا مستحقين للعقاب ، ولئلا يفعلون ضد ما آمرون به ، لأنهم مصطفون ، ولأن إبليس استثناهم في الإغواء. انتهى ما لخصناه من المنتخب.
والقول في الدلائل لهذه المذاهب ، وفي إبطال ما ينبغي إبطاله منها مذكور في كتب أصول الدين. عنها : الضمير عائد على الشجرة ، وهو الظاهر ، لأنه أقرب مذكور. والمعنى : فحملهما الشيطان على الزلة بسببها. وتكون عن إذ ذاك للسبب ، أي أصدر الشيطان زلتهما عن الشجرة كقوله تعالى : (وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) (١) ، (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ) (٢). وقيل : عائد على الجنة ، لأنها أول مذكور ، ويؤيده قراءة حمزة وغيره : فإزالهما ، إذ يبعد فأزالهما الشيطان عن الشجرة. وقيل : عائد على الطاعة ، قالوا بدليل قوله : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ) (٣) ، فيكون إذ ذاك الضمير عائدا على غير مذكور ، إلا على ما يفهم من معنى قوله : (وَلا تَقْرَبا) (٤) لأن المعنى : أطيعاني بعدم قربان هذه الشجرة. وقيل : عائد على الحالة التي كانوا عليها من التفكه والرفاهية والتبوّء من الجنة ، حيث شاءا ، ومتى شاءا ، وكيف شاءا ، بدليل ، (وَكُلا مِنْها رَغَداً) (٥). وقيل : عائد على السماء وهو بعيد.
(فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ) من الطاعة إلى المعصية ، أو من نعمة الجنة إلى شقاء الدنيا ، أو من رفعة المنزلة إلى سفل مكانة الذنب ، أو رضوان الله ، أو جواره. وكل هذه الأقوال متقاربة. قال المهدوي : إذا جعل أزلهما من زل عن المكان ، فقوله : (فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ) توكيد. إذ قد يمكن أن يزولا عن مكان كانا فيه إلى مكان آخر من الجنة ، انتهى. والأولى أن يكون بمعنى كسبهما الزلة لا يكون بإلقاء. قال ابن عطية : وهنا محذوف يدل عليه الظاهر تقديره : فأكلا من الشجرة ، ويعني أن المحذوف يتقدر قبل قوله : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ) ، ونسب الإزلال والإزالة والإخراج لإبليس على جهة المجاز ، والفاعل للأشياء هو الله تعالى.
(وَقُلْنَا اهْبِطُوا) : قرأ الجمهور بكسر الباء ، وقرأ أبو حياة : اهبطوا بضم الباء ، وقد ذكرنا أنهما لغتان. والقول في : (وَقُلْنَا اهْبِطُوا) مثل القول في : (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ) (٦).
__________________
(١) سورة الكهف : ١٨ / ٨٢.
(٢) سورة التوبة : ٩ / ١١٤.
(٣) سورة طه : ٢٠ / ١٢١.
(٤) سورة البقرة : ٢ / ٣٥.
(٥) سورة البقرة : ٢ / ٣٥.
(٦) سورة البقرة : ٢ / ٣٥.