لما لبسن الحق بالتجني
وجاء ألبس بمعنى لبس.
وقال آخر :
وكتيبة ألبستها بكتيبة |
|
حتى إذا التبست نفضت لها يدي |
الكتم ، والكتمان : الإخفاء ، وضده : الإظهار ، ومنه الكتم : ورق يصبغ به الشيب. الركوع : له معنيان في اللغة : أحدهما : التطامن والانحناء ، وهذا قول الخليل وأبي زيد ، ومنه قول لبيد :
أخبر أخبار القرون التي مضت |
|
أدبّ كأني كلما قمت راكع |
والثاني : الذلة والخضوع ، وهو قول المفضل والأصمعي ، قال الأضبط السعدي :
لا تهين الضعيف علك أن |
|
تركع يوما والدهر قد رفعه |
(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) هذا افتتاح الكلام مع اليهود والنصارى ، ومناسبة الكلام معهم هنا ظاهرة ، وذلك أن هذه السورة افتتحت بذكر الكتاب ، وأن فيه هدى للمؤمنين ، ثم أعقب ذلك بذكر الكفار المختوم عليهم بالشقاوة ، ثم بذكر المنافقين ، وذكر جمل من أحوالهم ، ثم أمر الناس قاطبة بعبادة الله تعالى ، ثم ذكر إعجاز القرآن ، إلى غير ذلك مما ذكره ، ثم نبههم بذكر أصلهم آدم ، وما جرى له من أكله من الشجرة بعد النهي عنه ، وأن الحامل له على ذلك إبليس. وكانت هاتان الطائفتان : أعني اليهود والنصارى ، أهل كتاب ، مظهرين اتباع الرسل والاقتداء بما جاء عن الله تعالى. وقد اندرج ذكرهم عموما في قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا) (١) ، فجرد ذكرهم هنا خصوصا ، إذ قد سبق الكلام مع المشركين والمنافقين ، وبقي الكلام مع اليهود والنصارى ، فتكلم معهم هنا ، وذكروا ما يقتضي لهم الإيمان بهذا الكتاب ، كما آمنوا بكتبهم السابقة ، إلى آخر الكلام معهم على ما سيأتي جملة مفصلة. وناسب الكلام معهم قصة آدم ، على نبينا وعليه الصلاة والسلام ، لأنهم بعد ما أوتوا من البيان الواضح والدليل اللائح ، المذكور ذلك في التوراة والإنجيل ، من الإيفاء بالعهد والإيمان بالقرآن ، ظهر منهم ضد ذلك بكفرهم بالقرآن ومن جاء به ، وأقبل عليهم بالنداء ليحركهم لسماع ما يرد عليهم من الأوامر والنواهي ، نحو قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا) ، (وَيا آدَمُ اسْكُنْ) (٢).
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٢١.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٣٥.