وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك ، وأضافهم إلى لفظ إسرائيل ، وهو يعقوب ، ولم يقل : يا بني يعقوب ، لما في لفظ إسرائيل من أن معناه عبد الله أو صفوة الله ، وذلك على أحسن تفاسيره ، فهزهم بالإضافة إليه ، فكأنه قيل : يا بني عبد الله ، أو يا بني صفوة الله ، فكان في ذلك تنبيه على أن يكونوا مثل أبيهم في الخير ، كما تقول : يا ابن الرجل الصالح أطع الله ، فتضيفه إلى ما يحركه لطاعة الله ، لأن الإنسان يحب أن يقتفي أثر آبائه ، وإن لم يكن بذلك محمودا ، فكيف إذا كان محمودا؟ ألا ترى : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) (١) ، (بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا) (٢) ، وفي قوله : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ) دليل على أن من انتمى إلى شخص ، ولو بوسائط كثيرة ، يطلق عليه أنه ابنه ، وعليه (يا بَنِي آدَمَ) (٣) ويسمى ذلك أبا. قال تعالى : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) (٤) ، وفي إضافتهم إلى إسرائيل تشريف لهم بذكر نسبتهم لهذا الأصل الطيب ، وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن. ونقل عن أبي الفرج بن الجوزي : أنه ليس لأحد من الأنبياء غير نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم اسمان إلا يعقوب ، فإنه يعقوب ، وهو إسرائيل. ونقل الجوهري في صحاحه : أن المسيح اسم علم لعيسى ، لا اشتقاق له. وذكر البيهقي عن الخليل بن أحمد خمسة من الأنبياء ذو واسمين : محمد وأحمد نبينا صلىاللهعليهوسلم ، وعيسى والمسيح ، وإسرائيل ويعقوب ، ويونس وذو النون ، وإلياس وذو الكفل.
والمراد بقوله : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا) من كان بحضرة رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالمدينة ، وما والاها من بني إسرائيل ، أو من أسلم من اليهود وآمن بالنبي صلىاللهعليهوسلم ، أو أسلاف بني إسرائيل وقدماؤهم ، أقوال ثلاثة : والأقرب الأول ، لأن من مات من أسلافهم لا يقال له : (وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) ، إلا على ضرب بعيد من التأويل ، ولأن من آمن منهم لا يقال له : (وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) ، إلا بمجاز بعيد. ويحتمل قوله : اذكروا الذكر باللسان والذكر بالقلب : فعلى الأول يكون المعنى : أمرّوا النعم على ألسنتكم ولا تغفلوا عنها ، فإن إمرارها على اللسان ومدارستها سبب في أن لا تنسى. وعلى الثاني يكون المعنى : تنبهوا للنعم ولا تغفلوا عن شكرها. وفي النعمة المأمور بشكرها أو بحفظها أقوال : ما استودعوا من التوراة التي فيها صفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أو ما أنعم به على أسلافهم من إنجائهم من آل فرعون وإهلاك عدوهم وإيتائهم التوراة ونحو
__________________
(١) سورة الزخرف : ٤٣ / ٢٢ و ٢٣.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٧٠.
(٣) سورة الأعراف : ٧ / ٢٦ و ٢٧ و ٣١ و ٣٥.
(٤) سورة الحج : ٢٢ / ٧٨.