ذلك ، قاله الحسن والزجاج ، أو إدراكهم مدة النبي صلىاللهعليهوسلم ، أو علم التوراة ، أو جميع النعم على جميع خلقه وعلى سلفهم وخلفهم في جميع الأوقات على تصاريف الأحوال. وأظهر هذه الأقوال ما اختص به بنو إسرائيل من النعم لظاهر قوله : (الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) ، ونعم الله على بني إسرائيل كثيرة : استنقذهم من بلاء فرعون وقومه ، وجعلهم أنبياء وملوكا ، وأنزل عليهم الكتب المعظمة ، وظلل عليهم في التيه الغمام ، وأنزل عليهم المن والسلوى. قال ابن عباس : أعطاهم عمودا من النور ليضيء لهم بالليل ، وكانت رؤوسهم لا تتشعث ، وثيابهم لا تبلى. وإنما ذكروا بهذه النعم لأن في جملتها ما شهد بنبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وهو : التوراة والإنجيل والزبور ، ولئن يحذروا مخالفة ما دعوا إليه من الإيمان برسول الله والقرآن ، ولأن تذكير النعم السالفة يطمع في النعم الخالفة ، وذلك الطمع يمنع من إظهار المخالفة. وهذه النعم ، وإن كانت على آبائهم ، فهي أيضا نعم عليهم ، لأن هذه النعم حصل بها النسل ، ولأن الانتساب إلى آباء شرفوا بنعم تعظيم في حق الأولاد. قال بعض العارفين : عبيد النعم كثيرون ، وعبيد المنعم قليلون ، فالله تعالى ذكر بني إسرائيل نعمه عليهم ، ولما آل الأمر إلى أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ذكر المنعم فقال : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) (١) ، فدل ذلك على فضل أمة محمد صلىاللهعليهوسلم على سائر الأمم ، وفي قوله : (نِعْمَتِيَ) ، نوع التفات ، لأنه خروج من ضمير المتكلم المعظم نفسه في قوله : (بِآياتِنا) إلى ضمير المتكلم الذي لا يشعر بذلك. وفي إضافة النعمة إليه إشارة إلى عظم قدرها وسعة برها وحسن موقعها ، ويجوز في الياء من نعمتي الإسكان والفتح ، والقراء السبعة متفقون على الفتح. وأنعمت : صلة التي ، والعائد محذوف ، التقدير : أنعمتها عليكم.
(وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ). العهد : تقدم تفسيره لغة في قوله : (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ) (٢) ، ويحتمل العهد أن يكون مضافا إلى المعاهد وإلى المعاهد. وفي تفسير هذين العهدين أقوال : أحدها : الميثاق الذي أخذه عليهم من الإيمان به والتصديق برسله ، وعهدهم ما وعدهم به من الجنة. الثاني : ما أمرهم به وعهدهم ما وعدهم به ، قاله ابن عباس. الثالث : ما ذكر لهم في التوراة من صفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وعهدهم ما وعدهم به من الجنة ، رواه أبو صالح عن ابن عباس. الرابع : أداء الفرائض وعهدهم قبولها والمجازاة عليها. الخامس : ترك الكبائر وعهدهم غفران الصغائر. السادس : إصلاح الدين وعهدهم إصلاح آخرتهم. السابع : مجاهدة النفوس وعهدهم المعونة على ذلك. الثامن : إصلاح
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٥٢.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٢٧.