فهي من الواحد كقولهم : طارقت النعل ، وعاقبت اللص ، وعافاك الله ، قال ابن عطية : وهذا ضعيف ، لأن لقي يتضمن معنى لاقى ، وليست كذلك الأفعال كلها ، بل فعل خلاف في المعنى لفاعل ، انتهى كلامه. ويحتاج إلى شرح ، وذلك أنه ضعفه من حيث أن مادة لقي تتضمن معنى الملاقاة ، بمعنى أن وضع هذا الفعل ، سواء كان مجردا أو على فاعل ، معناه واحد من حيث أن من لقيك فقد لقيته ، فهو لخصوص مادته يقتضي المشاركة ، ويستحيل فيه أن يكون لواحد. وهذا يدل على أن فاعل يكون لموافقة الفعل المجرد ، وهذا أحد معاني فاعل ، وهو أن يوافق الفعل المجرد. وقول ابن عطية : وليست كذلك الأفعال كلها كلام صحيح ، أي ليست الأفعال مجردها بمعنى فاعل ، بل فاعل فيها يدل على الاشتراك. وقوله : بل فعل خلاف فاعل يعني بل المجرد فيها يدل على الانفراد ، وهو خلاف فاعل ، لأنه يدل على الاشتراك ، فضعف بأن يكون فاعل من اللقاء من باب : عاقبت اللص ، حيث أن مادة اللقاء تقتضي الاشتراك ، سواء كان بصيغة المجرد أو بصيغة فاعل. وهذه الإضافة غير محضة ، لأنها إضافة اسم الفاعل بمعنى الاستقبال. وقد تقدم لنا الكلام على اسم الفاعل إذا كان بمعنى الحال ، أو الاستقبال بالنسبة إلى أعماله في المفعول ، وإضافته إليه ، وإضافته إلى الرب ، وإضافة الرب إليهم في غاية من الفصاحة ، وذلك أن الرب على أي محامله حملته فيه دلالة على الإحسان لمن يربه ، وتعطف بين لا يدل عليه غير لفظ الرب. وقد اختلف المفسرون في معنى ملاقاة ربهم ، فحمله بعضهم على ظاهره من غير حذف ولا كناية بأن اللقاء هو رؤية الباري تعالى ، ولا لقاء أعظم ولا أشرف منها ، وقد جاءت بها السنة المتواترة ، وإلى اعتقادها ذهب أكثر المسلمين ، وقيل ذلك على حذف مضاف ، أي جزاء ربهم ، لأن الملاقاة بالذوات مستحيلة في غير الرؤية ، وقيل ذلك كناية عن انقضاء أجلهم كما يقال لمن مات قد لقي الله ، ومنه قول الشاعر :
غدا نلقى الأحبه |
|
محمدا وصحبه |
وكنى بالملاقاة عن الموت ، لأن ملاقات الله متسبب عن الموت ، فهو من إطلاق المسبب ، والمراد منه السبب ، وذلك أن من كان يظن الموت في كل لحظة لا يفارق قلبه الخشوع ، وقيل ذلك على حذف مضاف أخص من الجزاء ، وهو الثواب ، أي ثواب ربهم. فعلى هذا القول ، والقول الأول ، يكون الظن على بابه من كونه يراد به الترجيح ، وعلى تقدير الجزاء ، أو كون الملاقاة يراد بها انقضاء الأجل ، يكون الظن يراد به التيقن. وقد نازعت المعتزلة في كون لفظ اللقاء لا يراد به الرؤية ولا يفيدها. ألا ترى إلى قوله تعالى :