شيخنا أبو الحسين بن أبي الربيع يذهب إلى أن شكر أصله أن يتعدى بحرف جر ، ثم أسقط اتساعا. وقيل : الشكر : إظهار النعمة من قولهم : شكرت الرمكة مهرها إذا أظهرته ، والشكير : صغار الورق يظهر من أثر الماء ، قال الشاعر :
وبينا الفتى يهتز للعيش ناضرا |
|
كعسلوجة يهتز منها شكيرها |
وأوّل الشيب ، قال الراجز :
ألان ادلاج بك العتير |
|
والرأس إذ صار له شكير |
وناقة شكور تذر أكثر مما رعت
الفرقان : مصدر فرق ، وتقدّم الكلام في فرق.
(وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ) : معطوف على : وإذ نجيناكم فالعامل فيه ما ذكر أنه العامل في إذ تلك بواسطة الحرف. وقرأ الزهري : فرّقنا بالتشديد ، ويفيد التكثير لأن المسالك كانت اثني عشر مسلكا على عدد أسباط بني إسرائيل. ومن قرأ : فرقنا مجردا ، اكتفى بالمطلق ، وفهم التكثير من تعداد الأسباط. بكم : متعلق بفرّقنا ، والباء معناها : السبب ، أي بسبب دخولكم ، أو المصاحبة : أي ملتبسا ، كما قال :
تدوس بنا الجماجم والتريبا
أي ملتبسة بنا ، أو : أي جعلناه فرقا بكم كما يفرق بين الشيئين بما توسط بينهما ، وهو قريب من معنى الاستعانة ، أو معناها اللام ، أي فرّقنا لكم البحر ، أي لأجلكم ، ومعناها راجع للسبب. ويحتمل الفرق أن يكون عرضا من ضفة إلى ضفة ، ويحتمل أن يكون طولا ، ونقل كل : وعلى هذا الثاني قالوا : كان ذلك بقرب من موضع النجاة ، ولا يلحق في البر إلا في أيام كثيرة بسبب جبال وأوعار حائلة. وذكر العامري : أن موضع خروجهم من البحر كان قريبا من برية فلسطين ، وهي كانت طريقهم. البحر : قيل هو بحر القلزم من بحار فارس ، وكان بين طرفيه أربعة فراسخ ، وقيل : بحر من بحار مصر يقال له أساف ، ويعرف الآن ببحر القلزم ، قيل : وهو الصحيح ، ولم يختلفوا في أن فرق البحر كان بعدد الأسباط ، اثنى عشر مسلكا. واختلفوا في عدد المفروق بهم ، وعدد آل فرعون ، على أقوال يضاد بعضها بعضا ، وحكوا في كيفية خروج بني إسرائيل ، وتعنتهم وهم في البحر مقتحمون ، وفي كيفية خروج فرعون بجنوده ، حكايات مطوّلة جدا لم يدل القرآن ولا الحديث الصحيح عليها ، فالله أعلم بالصحيح منها.