وفي المراد به في الآية أقوال ستأتي ، إن شاء الله تعالى. السلوى : اسم جنس ، واحدها سلواة ، قاله الخليل ، والألف فيها للإلحاق لا للتأنيث نحو : علقى وعلقاة ، إذ لو كانت للتأنيث لما أنث بالهاء ، قال الشاعر :
وإني لتعروني لذكراك سلوة |
|
كما انتفض السلواة من بلل القطر |
وقال الكسائي : السلوى واحدة ، وجمعها سلاوي. وقال الأخفش : جمعه وواحده بلفظ واحد. وقيل : جمع لا واحد له من لفظه. وقال مؤرح السدوسي : السلوى هو العسل بلغة كنانة ، قال الشاعر :
وقاسمها بالله جهدا لأنتم |
|
ألذ من السلوى إذا ما نشورها |
وقال غيره : هو طائر. قال ابن عطية : وقد غلط الهذلي في قوله :
ألذ من السلوى إذا ما نشورها
فظن السلوى العسل. وعن هذا جوابان يبينان أن هذا ليس غلطا : أحدهما : ما نقلناه عن مؤرج من كونه العسل بلغة كنانة ، والثاني : أنه تجوز في قوله : نشورها لأجل القافية ، فعبر عن الأكل بالشور ، على سبيل المجاز ، قالوا : واشتقاق السلوى من السلوة ، لأنه لطيبه يسلي عن غيره. الطيب : فيعل من طاب يطيب ، وهو اللذيذ ، وتقدم الكلام في اختصاص هذا الوزن بالمعتل ، إلا ما شذ ، وفي تخفيف هذا النوع وبالمخفف منه سميت مدينة رسول الله صلىاللهعليهوسلم طيبة.
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ) : عدّ صاحب المنتخب هذا إنعاما خامسا ، وقيل : هذه الآية وما بعدها منقطعة مما تقدم من التذكير بالنعم ، وذلك لأنه أمر بالقتل ، والقتل لا يكون نعمة ، وضعف بأن من أعظم النعم التنبيه على ما به يتخلصون من عقاب الذنب العظيم ، وذلك هو التوبة. وإذا كان قد عدّد عليهم النعم الدنيوية ، فلأن يعدد عليهم النعم الدينية أولى. ولما لم يكمل وصف هذه النعمة إلا بمقدمة ما تسببت عنه ، قدم ذكر ذلك ، وهذا الخطاب هو محاورة موسى لقومه حين رجع من الميقات ووجدهم قد عبدوا العجل. واللام في قوله : لقومه ، للتبليغ ، وإقبال موسى عليه بالنداء ، ونداؤه بلفظ يا قوم ، مشعر بالتحنن عليهم ، وأنه منهم ، وهم منه ، ولذلك أضافهم إلى نفسه ، كما يقول الرجل : يا أخي ، ويا صديقي ، فيكون ذلك سببا لقبول ما يلقى إليه ، بخلاف أن لو ناداه باسمه ، أو بالوصف القبيح الصادر منه. وفي ذلك أيضا هزلهم لقبولهم