قصتهم. وقيل : أرض بيضاء عفراء ليس فيها ماء ولا ظل ، وقعوا فيها حين خرجوا من البحر ، فأظلهم الله بالغمام ، ووقاهم حرّ الشمس.
(وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى) المنّ : اسم جنس لا واحد له من لفظه. وفي المن الذي أنزله الله على بني إسرائيل أقوال : ما يسقط على الشجر أحلى من الشهد وأبيض من الثلج ، وهو قول ابن عباس والشعبي ، أو صمغة طيبة حلوة ، وهو قول مجاهد ؛ أو شراب كان ينزل عليهم يشربونه بعد مزجه بالماء ، وهو قول الرّبيع بن أنس وأبي العالية ؛ أو عسل كان ينزل عليهم ، وهو قول ابن زيد ؛ أو الرقاق المتخذ من الذرة أو من النقي ، وهو قول وهب ؛ أو الزنجبيل ، وهو قو السدّي ، أو الترنجبين ، وعليه أكثر المفسرين ؛ أو عسل حامض ، قاله عمرو بن عيسى ؛ أو جميع ما منّ الله به عليهم في التيه وجاءهم عفوا من غير تعب ، قاله الزّجاج ، ودليله قوله صلىاللهعليهوسلم : «الكمأة من المنّ الذي منّ الله به على بني إسرائيل». وفي رواية : على موسى. وفي السلوى الذي أنزله الله على بني إسرائيل أقوال : طائر يشبه السماني ، أو هو السماني نفسه ، أو طيور حمر بعث الله بها سحابة فمطرت في عرض ميل وطول رمح في السماء بعضه على بعض ، قاله أبو العالية ومقاتل ؛ أو طير يكون بالهند أكبر من العصفور ، قاله عكرمة ؛ أو طير سمين مثل الحمام ؛ أو العسل بلغة كنانة ، وكانت تأتيهم السلوى من جهة السماء ، فيختارون منها السمين ويتركون الهزيل ؛ وقيل : كانت ريح الجنوب تسوقها إليهم فيختارون منها حاجتهم ويذهب الباقي. وقيل : كانت تنزل على الشجر فينطبخ نصفها وينشوي نصفها. وكان المنّ ينزل عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، والسلوى بكرة وعشيا ، وقيل : دائما ، وقيل : كلما أحبوا.
وقد ذكر المفسرون حكايات في التظليل ونزول المنّ والسلوى ، وتظافرت أقاويلهم أن ذلك كان في فحص التيه ، وستأتي قصته في سورة المائدة ، إن شاء الله تعالى ، وأنهم قالوا : من لنا من حر الشمس؟ فظلل عليهم الغمام ، وقالوا : من لنا بالطعام؟ فأنزل الله عليهم المن والسلوى ، وقالوا : من لنا بالماء؟ فأمر الله موسى بضرب الحجر ، وهذه دل عليها القرآن. وزيد في تلك الحكايات أنهم قالوا : بم نستصبح؟ فضرب لهم عمود من نور في وسط محلتهم ، وقيل : من نار ، وقالوا : من لنا باللباس؟ فأعطوا أن لا يبلى لهم ثوب ، ولا يخلق ، ولا يدرن ، وأن تنمو صغارها حسب نمو الصبيان. (كُلُوا) : أمر إباحة وإذن كقوله : (فَاصْطادُوا) (١) ، (فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) (٢) ، وذلك على قول من قال : إن الأصل
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٢.
(٢) سورة الجمعة : ٦٢ / ١٠.