والسدّي والربيع وغيرهم. وقيل : أريحا ، قاله ابن عباس أيضا ، وهي بأرض المقدس. قال أبو زيد عمر بن شبة النمري : كانت قاعدة ومسكن ملوك ، وفيها مسجد هو بيت المقدس ، وفي المسجد بيت يسمى إيليا. وقال الكواشي : أريحا قرية الجبارين ، كانوا من بقايا عاد ، يقال لهم : العمالية ورأسهم : عوج بن عنق ، وقيل : الرملة ، قاله الضحاك ؛ وقيل : أيلة ؛ وقيل : الأردن ؛ وقيل : فلسطين ؛ وقيل : البلقاء ؛ وقيل : تدمر ، وقيل : مصر ؛ وقيل : قرية بقرب بيت المقدس غير معينة أمروا بدخولها ؛ وقيل : الشام. روي ذلك عن ابن كيسان ، وقد رجح القول الأوّل لقوله في المائدة : (ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ) (١). قيل : ولا خلاف ، إن المراد في الآيتين واحد. وردّ هذا القول بقوله : فبدّل لأن ذلك يقتضي التعقيب في حياة موسى ، لكنه مات في أرض التيه ولم يدخل بيت المقدس. وأجاب من قال إنها بيت المقدس بأن الآية ليس فيها ما يدل على أن القول كان على لسان موسى ، وهذا الجواب وهم ، لأنه قد تقدّم أن المراد في هذه الآية وفي التي في المائدة من قوله : ادخلوا الأرض المقدّسة واحد ، والقائل ذلك في آية المائدة قطعا. ألا ترى إلى قوله : (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ) ، وقولهم : (قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ) (٢)؟ قال وهب : كانوا قد ارتكبوا ذنوبا ، فقيل لهم : (ادْخُلُوا) الآية. وقال غيره : ملوا المنّ والسلوى ، فقيل لهم : اهبطوا مصرا ، وكان أوّل ما لقوا أريحا. وفي قوله : (هذِهِ الْقَرْيَةَ) دليل على أنهم قاربوها وعاينوها ، لأن هذه إشارة لحاضر قريب. قيل : والذي قال لهم ذلك هو يوشع بن نون ، فإنه نقل عنهم أنهم لم يدخلوا البيت المقدّس إلا بعد رجوعهم من قتال الجبارين ، ولم يكن موسى معهم حين دخلوها ، فإنه مات هو وأخوه في التيه. وقيل : لم يدخلا التيه لأنه عذاب ، والله لا يعذب أنبياءه.
(فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً) : تقدّم الكلام على نظير هذه الجملة في قصة آدم في قوله : (وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما) ، إلا أن هناك العطف بالواو وهنا بالفاء ، وهناك تقديم الرغد على الظرف ، وهنا تقديم الظرف على الرغد ، والمعنى فيهما واحد ، إلا أن الواو هناك جاءت بمعنى الفاء ، قيل : وهو المعنى الكثير فيها ، أعني أنه يكون المتقدّم في الزمان والمعطوف بها هو المتأخر في الزمان ، وإن كانت قد ترد بالعكس ، وهو قليل. وللمعية والزمان ، وهو دون الأول ، ويدل أنها بمعنى الفاء ما جاء في الأعراف من قوله : (فَكُلا) بالفاء ، والقضية واحدة. وأما تقديم الرغد هناك فظاهر ، فإنه من صفات الأكل أو
__________________
(١) سورة المائدة : ٥ / ٢٥.
(٢) سورة المائدة : ٥ / ٢٢.