لا يعمل في المفردات ، إنما يدخل على الجمل للحكاية ، فيكون في موضع المفعول به ، إلا إن كان المفرد مصدرا نحو : قلت قولا ، أو صفة لمصدر نحو : قلت حقا ، أو معبرا به عن جملة نحو : قلت شعرا وقلت خطبة ، على أن هذا القسم يحتمل أن يعود إلى المصدر ، لأن الشعر والخطبة نوعان من القول ، فصار كالقهقرى من الرجوع ، وحطة ليس واحدا من هذه. ولأنك إذا جعلت حطة منصوبة بلفظ قولوا ، كان ذلك من الإسناد اللفظي وعري من الإسناد المعنوي ، والأصل هو الإسناد المعنوي. وإذا كان من الإسناد اللفظي لم يترتب على النطق به فائدة أصلا إلا مجرد الامتثال للأمر بالنطق بلفظ ، فلا فرق بينه وبين الألفاظ الغفل التي لم توضع لدلالة على معنى. ويبعد أن يرتب الغفران للخطايا على النطق بمجرد لفظ مفرد لم يدل به على معنى كلام. أما ما ذهب إليه أبو عبيدة من أن قوله حطة مفرد ، وأنه مرفوع على الحكاية وليس مقتطعا من جملة ، بل أمروا بقولها هكذا مرفوعة ، فبعيد عن الصواب لأنه يبقى حطة مرفوعا بغير رافع ، ولأن القول إنما وضع في باب الحكاية ليحكى به الجمل لا المفردات ، ولذلك احتاج النحويون في قوله تعالى : (يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ) (١) إلى تأويل ، وأما تشبيهه إياه بقوله :
سمعت الناس ينتجعون غيثا
وجدنا في كتاب بني تميم |
|
أحق الخيل بالركض المعار |
فليس بسديد ، لأن سمع ووجد كل منهما يتعلق بالمفردات والجمل ، لأن المسموع والموجود في الكتاب قد يكون مفردا وقد يكون جملة. وأما القول فلا يقع إلا على الجمل ، ولا يقع على المفردات إلا فيما تقدم ذكره ، وليس حطة منها. واختلفت أقوال المفسرين في حطة ، فقال الحسن : معناه حط عنا ذنوبنا ، وقال ابن عباس وابن جبير ووهب : أمروا أن يستغفروا ، وقال عكرمة : معناها لا إله إلا الله ، وقال الضحاك : معناه وقولوا هذا الأمر الحق ، وقيل : معناه نحن لا نزال تحت حكمك ممتثلون لأمرك ، كما يقال قد حططت في فنائك رحلي. وقد تقدمت التقادير في إضمار ذلك المبتدأ قبل حطة وهي أقاويل لأهل التفسير. وقد روي عن ابن عباس أنهم أمروا بهذه اللفظة بعينها ، قيل : والأقرب خلافه ، لأن هذه اللفظة عربية وهم ما كانوا يتكلمون بها ، ولأن الأقرب أنهم أمروا بأن يقولوا قولا دالا على التوبة والندم والخضوع ، حتى لو قالوا : اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك ، لكان
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ٦٠.