أوامر أربعة : (ادْخُلُوا) ، (فَكُلُوا) ، (وَادْخُلُوا الْبابَ) ، (وَقُولُوا حِطَّةٌ) ، والظاهر أنه لا يكون جوابا إلا للآخرين ، وعليه المعنى ، لأن ترتب الغفران لا يكون على دخول القرية ولا على الأكل منها ، وإنما يترتب على دخول الباب لتقييده بالحال التي هي عبادة وهي السجود ، وبقوله : (وَقُولُوا حِطَّةٌ) لأن فيه السؤال بحط الذنوب ، وذلك لقوة المناسبة وللمجاورة. ويدل على ترتب ذلك عليها ما في الأعراف من قوله تعالى : (وَقُولُوا حِطَّةٌ) ، (وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) ، (نَغْفِرْ) ، والقصة واحدة. فرتب الغفران هناك على قولهم حطة ، وعلى دخول الباب سجدا ، لما تضمنه الدخول من السجود. وفي تخالف هاتين الجملتين في التقديم والتأخير دليل على أن الواو لا ترتب وإنها لمطلق الجمع. وقرأ من الجمهور : بإظهار الراء من نغفر عند اللام ، وأدغمها قوم قالوا وهو ضعيف.
(وَسَنَزِيدُ) : هنا بالواو ، وفي الأعراف (سَنَزِيدُ) ، والتي في الأعراف مختصرة. ألا ترى إلى سقوط رغدا؟ والواو من : (وَسَنَزِيدُ) ، وقوله : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ) (١) ، بدل ، (فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) ، وإثبات ذلك هنا ، وناسب الإسهاب هنا والاختصار هناك. والزيادة ارتفاع عن القدر المعلوم ، وضده النقص. (الْمُحْسِنِينَ) ، قيل : الذين لم يكونوا من أهل تلك الخطيئة ، وقيل : المحسنين منهم ، فقيل : معناه من أحسن منهم بعد ذلك زدناه ثوابا ودرجات ، وقيل : معناه من كان محسنا منهم زدنا في إحسانه ، ومن كان مسيئا بعد ذلك زدناه ثوابا ودرجات ، وقيل : معناه من كان محسنا منهم زدنا في إحسانه ، ومن كان مسيئا مخطئا نغفر له خطيئته ، وكانوا على هذين الصنفين ، فأعلمهم الله أنهم إذا فعلوا ما أمروا به من دخولهم الباب سجدا وقولهم حطة يغفر ويضاعف ثواب محسنهم. وقيل : المحسنون من دخل ، كما أمر وقال : لا إله إلا الله ، فتلخص أن المحسنين إما من غيرهم أو منهم. فمنهم إما من اتصف بالإحسان في الماضي ، أي كان محسنا ، أو في المستقبل ، أي من أحسن منهم بعد ، أو في الحال ، أي وسنزيدكم بإحسانكم في امتثالكم ما أمرتم به من دخول الباب سجدا والقول حطة. وهذه الجملة معطوفة على : (وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ) ، وليست معطوفة على نغفر فتكون جوابا ، ألا تراها جاءت منقطعة عن العطف في الأعراف في قوله سنزيد؟ وإن كانت من حيث المعنى لا من حيث الصناعة الإعرابية ترتيب على دخول الباب سجدا. والقول حطة ، لكنها أجريت مجرى الإخبار المحض الذي لم يرتب على شيء قبله.
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ١٣٣ و ١٦٢ ، وسورة فصلت : ٤١ / ١٦.