قوله : (إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ) (١) ، أي طلبوا منه السقيا. وقال بعض الناس : وحذف المفعول تقديره استسقى ماء ، فعلى هذا القول يكون المحذوف هو المستسقى ، ويكون الفعل قد تعدى إليه كما تعدى إليه في قوله :
«وأبيض يستسقى الغمام بوجهه».
ويحتاج إثبات تعديه إلى اثنين إلى شاهد من كلام العرب ، كان يسمع من كلامهم : استسقى زيد ربه الماء ، وقد ثبت تعديه مرة إلى المستسقي منه ومرة إلى المستسقى ، فيحتاج تعديه إليهما إلى ثبت من لسان العرب. وذكر الله هذه النعمة من الاستسقاء غير مقيدة بمكان. وقد اختلف في ذلك ، فقال أبو مسلم : كان ذلك على عادة الناس إذا قحطوا ، وما فعله الله تعالى من تفجير الماء من الحجر فوق الإجابة بالسقياء وإنزال الغيث. وقال أكثر المفسرين : كان هذا الاستسقاء في التيه حين قالوا : من لنا بكذا ، إلى أن قالوا : من لنا بالماء ، فأمر الله موسى بضرب الحجر. وقيل ذلك عند خروجهم من البحر الذي انفلق ، وقعوا في أرض بيضاء ليس فيها ظل ولا ماء ، فسألوا أن يستسقى لهم ، واللام في لقومه لام السبب ، أي لأجل قومه وثم محذوف يتم به معنى الكلام ، أي لقومه إذ عطشوا ، أو ما كان بهذا المعنى ومحذوف آخر : أي فأجبناه. (فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ) قالوا : وهذه العصا هي المسئول عنها في قوله : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) (٢) ، وكانت فيها خصائص تذكر في موضعها. قيل : كانت نبعة ، وقيل : عليقي ، وهو شجر له شوك ، وقيل : من آس الجنة طولها عشرة أذرع ، طول موسى عليهالسلام ، لها شعبتان يتقدان في الظلمة ، وكان آدم حملها معه من الجنة إلى الأرض ، فتوارثها أصاغر عن أكابر حتى وصلت إلى شعيب ، فأعطاها موسى على نبينا وعليهما الصلاة والسلام ، وذلك أنه لما استرعاه قال له : اذهب فخذ عصا ، فذهب إلى البيت ، فطارت هذه إلى يده ، فأمره بردها ، فأخذ غيرها ، فطارت إلى يده ، فتركها له. وقيل : دفعها إليه ملك من الملائكة في طريق مدين.
(الْحَجَرَ) : قال الحسن : لم يكن حجرا معينا بل أي حجر ضرب انفجر منه الماء ، وهذا أبلغ في الإعجاز ، حيث ينفجر الماء من أي حجر ضرب. وروي أنهم قالوا : لو فقد موسى عصاه متنا عطشا ، فأوحى الله إليه : لا تقرع الحجارة ، وكلمها تطعك لعلهم
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ١٦٠.
(٢) سورة طه : ٢٠ / ١٧.