أخبروا عما وجدوه من عدم الصبر على ذلك وتشوفهم إلى ما كانوا يألفون ، وسألوا موسى أن يسأل الله لهم. وأكثر أهل الظاهر من المفسرين على أن هذا السؤال كان معصية ، قالوا : لأنهم كرهوا إنزال المن والسلوى ، وتلك الكراهة معصية ، ولأن موسى وصف ما سألوه بأنه أدنى وما كانوا عليه بأنه خير ، وبأن قوله : (أَتَسْتَبْدِلُونَ) هو على سبيل الإنكار. والجواب ، أن قولهم : (لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ) لا يدل على عدم الرضا به فقط ، بل اشتهوا أشياء أخر. وأما الإنكار فلأنه قد يكون لما فيه من تفويت الأنفع في الدنيا ، أو الأنفع في الآخرة. وأما الخيرية فسيأتي الكلام فيها ، وإنما كان سؤالا مباحا ، والدليل عليه أن قوله : (كُلُوا وَاشْرَبُوا) من قبل هذه الآية ، عند إنزال المن وتفجير العين ليس بإيجاب بل هو إباحة ، وإذا كان كذلك لم يكن قولهم : (لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ) معصية لأن من أبيح له صنوف من الطعام يحسن منه أن يسأل غيرها ، إما بنفسه أو على لسان الرسول. ولما كان سؤال النبي أقرب للإجابة ، سألوه عن ذلك ، ولأن النوع الواحد أربعين سنة يمل ويشتهي إذ ذاك غيره ، ولأنهم ما تعودوا ذلك النوع. ورغبة الإنسان فيما اعتاده ، وإن كان خسيسا ، فوق رغبة ما لم يعتده ، وإن كان شريفا ، ولأن ذلك يكون سببا لانتقالهم عن التيه الذي ملوه ، لأن تلك الأطعمة لا توجد فيه ، فأرادوا الحلول بغيره ، ولأن المواظبة على طعام واحد سبب لنقص الشهوة وضعف الهضم وقلة الرغبة ، والاستكثار من الأنواع بعكس ذلك. فثبت بهذا أن تبديل نوع بنوع يصلح أن يكون مقصودا للعقلاء ، وثبت أنه ليس في القرآن ما يدل على أنهم كانوا ممنوعين عنه ، فثبت أنه لا يجوز أن يكون معصية. ومما يؤكد ذلك قوله : (اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ) هو كالإجابة لما طلبوا. ولو كانوا عاصين في ذلك السؤال لكانت الإجابة إليه معصية ، وهي غير جائزة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. ووصف الطعام بواحد ، وإن كان طعامين ، لأنه المنّ والسلوى اللذان رزقوهما في التيه ، لأنهم أرادوا بالواحد ما لا يختلف ولا يتبدل ، ولو كان على مائدة الرجل ألوان عديدة يداوم عليها كل يوم لا يبدلها قيل : لا يأكل فلان إلا طعاما واحدا ، يراد بالوحدة نفي التبدل والاختلاف. ويجوز أن يريدوا أنهما ضرب واحد لأنهما معا من طعام أهل التلذذ والسرف ، ونحن قوم فلاحة أهل زراعات ، فما نريد إلا ما ألفناه وضرينا به من الأشياء المتفاوتة ، كالحبوب والبقول ونحوهما. ذكر هذين الوجهين في معنى الواحد الزمخشري. وقيل : أعاد على لفظ الطعام من حيث أنه مفرد لا على معناه. وقيل : كانوا يأكلون المن والسلوى مختلطين ، فيصير بمنزلة اللون الذي يجمع أشياء ويسمى لونا واحدا ، قاله ابن زيد : وقيل :