الله ، والحبوب والأرض يتخللها العيوب والغصوب ويدخلها الحرام والشبهة ، وما كان حلا خالصا أفضل مما يدخله الحرام والشبهة. السادس : أن المنّ والسلوى يفضلان ما سألوه من جنس الغذاء ونفعه. وملخص هذه الأقوال : هل الأدنوية والخيرية بالنسبة إلى القيمة ، أو امتثال الأمر وما يترتب عليه ، أو اللذة ، أو الكلفة ، أو الحل ، أو الجنس؟ أقوال ستة. وأما قراءة زهير فهي من الدناءة.
وقد تقدم أن أدنى غير المهموز قيل إن أصلها الهمز فسهل كهذه القراءة ، ومن قال بالقلب وإن أصله أدون ، فالدناءة والدون راجعان إلى معنى واحد ، وهو الخسة ، وهو من جهة المعنى أحسن مقابلة لقوله : (بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ). ومن جعل أدنى بمعنى أقرب ، لأن الأدون والأدنأ يقابلهما الخير ، والأدنى بمعنى الأقرب يقابله الأبعد ، وحذف من ومعمولها بعد قوله : هو خير ، لما ذكرناه في قوله : هو أدنى ، من وقوع أفعل التفضيل خبرا وتقديره : منه ، أي من : (الَّذِي هُوَ أَدْنى). وكانت هاتان الصلتان جملتين اسميتين لثبوت الجملة الاسمية ، وكان الخير أفعل التفضيل ، لأنه لا دلالة فيها على تعيين زمان ، بل في ذلك إثبات الأدنوية والخيرية من غير تقييد بزمان ، بخلاف الجملة الفعلية ، فإنه كان يتعين الزمان ، أو يتجوز في ذلك ، إن لم يقصد التعيين ، فكان الوصل بما هو حقيقة في عدم الدلالة على التعيين أفصح ، وكانت صلة ما في قوله : مما تنبت ، جملة فعلية ، لأن الفعل عندهم يشعر بالتجدد والحدوث ، والإنبات متجدد دائما ، فناسب كل مكان ما يليق به من الصلة.
(اهْبِطُوا مِصْراً) (١) : في الكلام حذف على تقدير أن القائل : (أَتَسْتَبْدِلُونَ) هو موسى ، وتقدير المحذوف ، فدعا موسى ربه فأجابه ، (قالَ اهْبِطُوا). وتقدّم معنى الهبوط ، ويقال : هبط الوادي : حل به ، وهبط منه : خرج ، وكان القادم على بلد ينصبّ عليه. وقرىء اهبطوا ، بضم الباء ، وهما لغتان ، والأفصح الكسر ، والجمهور على صرف مصرا هنا. وقرأ الحسن وطلحة والأعمش وأبان بن تغلب : بغير تنوين ، وبين كذلك في مصحف أبي بن كعب ، ومصحف عبد الله ، وبعض مصاحف عثمان. فأما من صرف فإنه يعني مصرا من الأمصار غير معين ، واستدلوا بالأمر بدخول القرية ، وبأنهم سكنوا الشام بعد التيه ، وبأن ما سألوه من البقل وغيره لا يكون إلا في الأمصار ، وهذا قول قتادة والسدي ومجاهد وابن زيد. وقيل : هو مصر غير معين لكنه من أمصار الأرض المقدسة ، بدليل :
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ٢٤.