إلى يوم الدين إنما هو من باب الاتساع ، إذ متعلقهما غير اليوم. والإضافة على معنى اللام ، لا على معنى في ، خلافا لمن أثبت الإضافة بمعنى في ، ويبحث في تقرير هذا في النحو ، وإذا كان من الملك كان من باب.
طباخ ساعات الكرى زاد الكسل
وظاهر اللغة تغاير الملك والمالك كما تقدم ، وقيل هما بمعنى واحد كالفره والفاره ، فإذا قلنا بالتغاير فقيل مالك أمدح لحسن إضافته إلى من لا تحسن إضافة الملك إليه ، نحو مالك الجن والإنس ، والملائكة والطير ، فهو أوسع لشمول العقلاء وغيرهم ، قال الشاعر :
سبحان من عنت الوجوه لوجهه |
|
ملك الملوك ومالك العفر |
قاله الأخفش ، ولا يقال هنا ملك ، ولقولهم مالك الشيء لمن يملكه ، وقد يكون ملكا لا مالكا نحو ملك العرب والعجم ، قاله أبو حاتم ، ولزيادته في البناء ، والعرب تعظم بالزيادة في البناء ، وللزيادة في أجزاء الثاني لزيادة الحروف ، ولكثرة من عليها من القراء ، ولتمكن التصرف ببيع وهبة وتمليك ، ولإبقاء الملك في يد المالك إذا تصرف بجور أو اعتداء أو سرف ، ولتعينه في يوم القيامة ، ولعدم قدرة المملوك على انتزاعه من الملك ، ولكثرة رجائه في سيده بطلب ما يحتاج إليه ، ولوجوب خدمته عليه ، ولأن المالك يطمع فيه ، والملك يطمع فيك ، ولأن له رأفة ورحمة ، والملك له هيبة وسياسة. وقيل ملك أمدح وأليق إن لم يوصف به الله تعالى لإشعاره بالكثرة ولتمدحه بمالك الملك ، ولم يقل مالك الملك ، ولتوافق الابتداء والاختتام في قوله (مَلِكِ النَّاسِ) (١) ، والاختتام لا يكون إلا بأشرف الأسماء ، ولدخول المالك تحت حكم الملك ، ولوصفه نفسه بالملك في مواضع ، ولعموم تصرفه فيمن حوته مملكته ، وقصر المالك على ملكه ، قاله أبو عبيدة ، ولعدم احتياج الملك إلى الإضافة ، أو مالك لا بد له من الإضافة إلى مملوك ، ولكونه أعظم الناس ، فكان أشرف من المالك.
قال أبو علي : حكى ابن السراج عمن اختار قراءة ملك كل شيء بقوله (رَبِّ الْعالَمِينَ) ، فقراءة مالك تقرير ، قال أبو علي ، ولا حجة في هذا ، لأن في التنزيل تقدم العام ، ثم ذكر الخاص منه (الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ) (٢) ، فالخالق يعم ، وذكر المصور لما في ذلك من التنبيه على الصنعة ووجوه الحكمة ، ومنه (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (٣) ، بعد قوله (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) (٤) ، وإنما كررها تعظيما لها ، وتنبيها على وجوب اعتقادها ،
__________________
(١) سورة الناس : ١١٤ / ٢.
(٢) سورة الحشر : ٥٩ / ٢٤.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ٤.
(٤) سورة البقرة : ٢ / ٣.