عباس ، لأن أخذ الميثاق كان متقدّما ، فلما نقضوه بالامتناع من قبول الكتاب رفع عليهم الطور. وأما على تفسير أبي مسلم : فإنها واو الحال ، أي إن أخذ الميثاق كان في حال رفع الطور فوقهم ، نحو قوله تعالى : (وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ) (١) ، أي وقد كان في معزل.
(خُذُوا ما آتَيْناكُمْ) : هو على إضمار القول ، أي : وقلنا لكم خذوا ما آتيناكم. وقال بعض الكوفيين : لا يحتاج إلى إضمار قول ، لأن أخذ الميثاق هو قول ، والمعنى : وإذ أخذنا ميثاقكم بأن خذوا ما آتيناكم ، وما موصول ، والعائد عليه محذوف ، أي : ما آتيناكموه ، ويعني به الكتاب. يدل على ذلك قوله : (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) ، وقرىء : ما آتيتكم ، وهو شبه التفات ، لأنه خرج من ضمير المعظم نفسه إلى غيره. ومعنى قوله : (بِقُوَّةٍ) بجدّ واجتهاد ، قاله ابن عباس وقتادة والسدّي ، أو بعمل ، قاله مجاهد ؛ أو بصدق وحق ، قاله ابن زيد ؛ أو بقبول ، قاله ابن بحر ؛ أو بطاعة ، قاله أبو العالية والربيع ؛ أو بنية وإخلاص ، أو بكثرة درس ودراية ؛ أو بجدّ وعزيمة ورغبة وعمل ؛ أو بقدرة. والقوة : القدرة والاستطاعة. وهذه الأقوال كلها متقاربة المعنى ، والباء للحال أو الاستعانة.
(وَاذْكُرُوا ما فِيهِ). قرأ الجمهور : به أمرا من ذكر ، وقرأ أبيّ : واذكروا ما فيه : أمرا من اذكر ، وأصله : وإذ تكروا ، ثم أبدل من التاء دال ، ثم أدغم الذال في الدال ، إذ أكثر الإدغام يستحيل فيه الأول إلى الثاني ، ويجوز في هذا أن يستحيل الثاني إلى الأول ، ويدغم فيه الأول فيقال : اذكر ، ويجوز الإظهار فتقول : اذذكر. وقرأ ابن مسعود : تذكروا ، على أنه مضارع انجزم على جواب الأمر الذي هو خذوا. فعلى القراءتين قيل : هذا يكون أمرا بالادكار ، وعلى هذه القراءة يكون الذكر مترتبا على حصول الأخذ بقوة ، أي أن تأخذوا بقوّة تذكروا ما فيه. وذكر الزمخشري أنه قرىء : وتذكروا أمرا من التذكر ، ولا يبعد عندي أن تكون هذه القراءة هي قراءة ابن مسعود ، ووهم الذي نقلناه من كتابه تذكروا في إسقاط الواو ، والذي فيه هو ما تضمنه من الثواب ، قاله ابن عباس ؛ أو احفظوا ما فيه ولا تنسوه وادرسوه ، قاله الزجاج ؛ أو ما فيه من أمر الله ونهيه وصفة محمد صلىاللهعليهوسلم ، أو اتعظوا به لتنجوا من الهلاك في الدنيا والعذاب في العقبى. والذكر : قد يكون باللسان ، وقد يكون بالقلب على ما سبق ، وقد يكون بهما. فباللسان معناه : ادرسوا ، وبالقلب معناه : تدبروا ، وبهما معناه :
__________________
(١) سورة هود : ١١ / ٤٢.