والخسوء. ويجوز أن يكون خاسئين صفة لقردة ، ويجوز أن يكون حالا من اسم كونوا. ومعنى خاسئين : مبعدين. وقال أبو روق : خاسرين ، كأنه فسر باللازم ، لأن من أبعده الله فقد خسر. وجمهور المفسرين : على أن الذين مسخهم الله لم يأكلوا ، ولم يشربوا ، ولم ينسلوا ، بل ماتوا جميعا ، وأنهم لم يعيشوا أكثر من ثلاثة أيام. وزعم مقاتل أنهم عاشوا سبعة أيام ، وماتوا في اليوم الثامن ، وكان هذا في زمن داود ، على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام ، وكانوا في قرية يقال لها : أيلة ، وقيل : مدين. وروى مسلم ، عن عبد الله بن مسعود ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لمن سأله عن القردة والخنازير : أهي مما مسخ؟ فقال : «الله لم يهلك قوما أو يعذب قوما فيجعل لهم نسلا ، وأن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك». واختار القاضي أبو بكر بن العربي أنهم عاشوا ، وأن القردة الموجودين الآن من نسلهم. (فَجَعَلْناها) : الضمير عائد على القرية أو على الأمة ، أو على الحالة ، أو على المسخة ، أو على الحيتان ، أو على العقوبة. والذي يظهر أن الضمير عائد على المصدر المفهوم من : كونوا ، أي فجعلنا كينونتهم قردة خاسئين. (نَكالاً) : أي عبرة ، وهو مفعول ثان لجعل.
(لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها) : أي من القرى ، والضمير للقرية ، قاله عكرمة عن ابن عباس ، أو لمن بعدهم من الأمم. وما خلفها : أي الذين كانوا معهم باقين ، رواه الضحاك عن ابن عباس. أو ما بين يديها : أي ما دونها ، وما خلفها يعني : لمن يأتي بعدهم من الأمم. والضمير للأمة ، قاله السدي. أو ما بين يديها من ذنوب القوم ، وما خلفها للحيتان التي أصابوا ، قاله قتادة. أو لما بين يديها : ما مضى من خطاياهم التي أهلكوا بها ، قاله مجاهد. أو لما بين يديها ممن شاهدها ، وما خلفها ممن لم يشاهدها ، قاله قطرب. أو ما بين يديها من ذنوب القوم ، وما خلفها لمن يذنب بعدها مثل تلك الذنوب. أو لما بين يديها : من حضرها من الناجين ، وما خلفها ممن يجيء بعدها. أو لما بين يديها من عقوبة الآخرة ، وما خلفها في دنياهم ، فيذكرون بها إلى قيام الساعة. أو لما بين يديها : لما حولها من القرى ، وما خلفها : وما يحدث بعدها من القرى التي لم تكن ، لأن مسختهم ذكرت في كتب الأولين ، فاعتبروا بها ، واعتبر بها من بلغتهم من الآخرين. أو في الآية تقديم وتأخير ، أي فجعلناها وما خلفها مما أعد لهم في الآخرة من العذاب ، نكالا وجزاء ، لا لما بين يديها ، أي لما تقدّم من ذنوبهم لاعتدائهم في السبت. فهذه أحد عشر قولا. قال بعضهم : والأقرب للصواب قول من قال : ما بين يديها : من يأتي من الأمم بعدها. وما خلفها : من بقي منهم ومن غيرهم لم تنلهم العقوبة ، ومن قال الضمير عائد على القرية ، فالمراد أهلها.