والرد على الكفرة الملحدين ، ومنه (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، ذكر الرحمن الذي هو عام ، وذكر الرحيم بعده لتخصيص الرحمة بالمؤمنين في قوله (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) (١) ، انتهى. وقال ابن عطية : وأيضا فإن الرب يتصرف في كلام العرب بمعنى الملك ، كقوله :
ومن قبل ربيتني فصفت ربوب
وغير ذلك من الشواهد ، فتنعكس الحجة على من قرأ ملك. والمراد باليوم الذي أضيف إليه مالك أو ملك زمان ممتد إلى أن ينقضي الحساب ويستقر أهل الجنة فيها ، وأهل النار فيها ، ومتعلق المضاف إليه في الحقيقة هو الأمر ، كأنه قال مالك أو ملك الأمر في يوم الدين. لكنه لما كان اليوم ظرفا للأمر ، جاز أن يتسع فيتسلط عليه الملك أو المالك ، لأن الاستيلاء على الظرف استيلاء على المظروف. وفائدة تخصيص هذه الإضافة ، وإن كان الله تعالى مالك الأزمنة كلها والأمكنة ومن حلها والملك فيها التنبيه على عظم هذا اليوم بما يقع فيه من الأمور العظام والأهوال الجسام من قيامهم فيه لله تعالى والاستشفاع لتعجيل الحساب والفصل بين المحسن والمسيء واستقرارهما فيما وعدهما الله تعالى به ، أو على أنه يوم يرجع فيه إلى الله جميع ما ملكه لعباده وخوّلهم فيه ويزول فيه ملك كل مالك قال تعالى : (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) (٢) ، (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) (٣). قال ابن السراج : إن معنى (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) إنه يملك مجيئه ووقوعه ، فالإضافة إلى اليوم على قوله إضافة إلى المفعول به على الحقيقة ، وليس ظرفا اتسع فيه ، وما فسر به الدين من المعاني يصح إضافة اليوم إليه إلى معنى كل منها إلا الملة ، قال ابن مسعود ، وابن عباس ، وقتادة ، وابن جريج وغيرهم : يوم الدين يوم الجزاء على الأعمال والحساب. قال أبو علي : ويدل على ذلك (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) (٤) ، و (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٥). وقال مجاهد : يوم الدين يوم الحساب مدينين محاسبين ، وفي قوله : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) دلالة على إثبات المعاد والحشر والحساب ، ولما اتصف تعالى بالرحمة ، انبسط العبد وغلب عليه الرجاء ، فنبه بصفة الملك أو المالك ليكون من عمله على وجل ، وأن لعمله يوما تظهر له فيه ثمرته من خير وشر.
(إِيَّاكَ) ، ايا تلحقه ياء المتكلم وكاف المخاطب وهاء الغائب وفروعها ، فيكون
__________________
(١) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٤٣.
(٢) سورة مريم : ١٩ / ٩٥.
(٣) سورة الأنعام : ٦ / ٩٤.
(٤) سورة غافر : ٤٠ / ١٧.
(٥) سورة الجاثية : ٤٥ / ٢٨.