وقال سعيد بن جبير : صفراء القرن والظلف خاصة. (فاقِعٌ) : أي شديد الصفرة ، قاله ابن عباس والحسن ؛ أو الخالص الصفرة ، قاله قطرب ، أو الصافي ، قاله أبو العالية وقتادة. (لَوْنُها) : ذكروا في إعرابه وجوها : أحدها : أنه فاعل مرفوع بفاقع ، وفاقع صفة للبقرة. الثاني : أنه مبتدأ وخبره فاقع. والثالث : أنه مبتدأ ، و (تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) خبر. وأنث على أحد معنيين : أحدهما : لكونه أضيف إلى مؤنث ، كما قالوا : ذهبت بعض أصابعه. والثاني : أنه يراد به المؤنث ، إذ هو الصفرة ، فكأنه قال : صفرتها تسر الناظرين ، فحمل على المعنى كقولهم : جاءته كتابي فاحتقرها ، على معنى الصحيفة والوجه الإعراب الأوّل ، لأن إعراب لونها مبتدأ ، وفاقع خبر مقدّم لا يجيزه الكوفيون ، أو تسرّ الناظرين خبره ، فيه تأنيث الخبر ، ويحتاج إلى تأويل ، كما قررناه. وكون لونها فاعلا بفاقع جار على نظم الكلام ، ولا يحتاج إلى تقديم ، ولا تأخير ، ولا تأويل ، ولم يؤنث فاقعا وإن كان صفة لمؤنث ، لأنه رفع السبي ، وهو مذكر فصار نحو : جاءتني امرأة حسن أبوها ، ولا يصح هنا أن يكون تابعا لصفراء على سبيل التوكيد ، لأنه يلزم المطابقة ، إذ ذاك للمتبوع. ألا ترى أنك تقول أسود حالك ، وسوداء حالكة ، ولا يجوز سوداء حالك؟ فأمّا قوله :
وإني لأسقي الشرب صفراء فاقعا |
|
كأن ذكي المسك فيها يفتق |
فبابه الشعر ، إذا كان وجه الكلام صفراء فاقعة ، وجاء (صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها) ، ولم يكتف بقوله : صفراء فاقعة ، لأنه أراد تأكيد نسبة الصفرة ، فحكم عليها أنها صفراء ، ثم حكم على اللون أنه شديد الصفرة ، فابتدأ أوّلا بوصف البقرة بالصفرة ، ثم أكد ذلك بوصف اللون بها ، فكأنه قال : هي صفراء ، ولونها شديد الصفرة. فقد اختلفت جهتا تعلق الصفرة لفظا ، إذ تعلقت أوّلا بالذات ، ثم ثانيا بالعرض الذي هو اللون ، واختلف المتعلق أيضا ، لأن مطلق الصفرة مخالف لشديد الصفرة ، ومع هذا الاختلاف الظاهر فلا يحتاج ذلك إلى التوكيد. قال الزمخشري : فإن قلت ، فهلا قيل : صفراء فاقعة؟ وأي فائدة في ذلك اللون؟ قلت : الفائدة فيه التوكيد ، لأن اللون اسم للهيئة ، وهي الصفرة ، فكأنه قيل : شديد الصفرة صفرتها ، فهو من قولك : جد جده ، وجنونك جنون. اه كلامه. وقال وهب : إذا نظرت إليها خيل إليك أن شعاع الشمس يخرج من جلدها.
(تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) : أي تبهج الناظرين إليها من سمنها ومنظرها ولونها. وهذه الجملة صفة للبقرة ، وقد تقدّم قول من جعلها خبرا ، كقوله : لونها ، وفيه تكلف قد ذكرناه. وجاء هذا الوصف بالفعل ، ولم يجىء باسم الفاعل ، لأن الفعل يشعر بالحدوث والتجدّد. ولما