الأوصاف ، إذ وجود بقر كثير على هذه الأوصاف يندر ، فهذا هو السبب الذي جرأهم على تكرار السؤال : (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ) ، تقدم الكلام على هذه الجملة.
(إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) : هذا تعليل لتكرار هذا السؤال إلى أن الحامل على استقصاء أوصاف هذه البقرة ، وهو تشابهها علينا ، فإنه كثير من البقر يماثلها في السن واللون. وقرأ عكرمة ويحيى بن يعمر : إن الباقر ، وقد تقدم أنه اسم جمع ، قال الشاعر :
ما لي رأيتك بعد عهدك موحشا |
|
خلقا كحوض الباقر المتهدم. |
وقرأ الجمهور : تشابه ، جعلوه فعلا ماضيا على وزن تفاعل ، مسند الضمير البقر ، على أن البقر مذكر. وقرأ الحسن : تشابه ، بضم الهاء ، جعله مضارعا محذوف التاء ، وماضيه تشابه ، وفيه ضمير يعود على البقر ، على أن البقر مؤنث. وقرأ الأعرج : كذلك ، إلا أنه شدّد الشين ، جعله مضارعا وماضيه تشابه ، أصله : تتشابه ، فأدغم ، وفيه ضمير يعود على البقر. وروي أيضا عن الحسن ، وقرأ محمد المعيطي ، المعروف بذي الشامة : تشبه علينا. وقرأ مجاهد : تشبه ، جعله ماضيا على تفعل. وقرأ ابن مسعود : يشابه ، بالياء وتشديد الشين ، جعله مضارعا من تفاعل ، ولكنه أدغم التاء في الشين. وقرىء : متشبه ، اسم فاعل من تشبه. وقرأ بعضهم : يتشابه ، مضارع تشابه ، وفيه ضمير يعود على البقر. وقرأ أبي : تشابهت. وقرأ الأعمش : متشابه ومتشابهة. وقرأ ابن أبي إسحاق : تشابهت ، بتشديد الشين مع كونه فعلا ماضيا ، وبتاء التأنيث آخره. فهذه اثنا عشر قراءة. وتوجيه هذه القراءات ظاهر ، إلا قراءة ابن أبي إسحاق تشابهت ، فقال بعض الناس : لا وجه لها. وتبيين ما قاله : إن تشديد الشين إنما يكون بإدغام التاء فيها ، والماضي لا يكون فيه تاءان ، فتبقى إحداهما وتدغم الأخرى. ويمكن أن توجه هذه القراءة على أن أصله : اشابهت ، والتاء هي تاء البقرة ، وأصله أن البقرة اشابهت علينا ، ويقوي ذلك لحاق تاء التأنيث في آخر الفعل ، أو اشابهت أصله : تشابهت ، فأدغمت التاء في الشين واجتلبت همزة الوصل. فحين أدرج ابن أبي إسحاق القراءة ، صار اللفظ : أن البقرة اشابهت ، فظن السامع أن تاء البقرة هي تاء في الفعل ، إذ النطق واحد ، فتوهم أنه قرأ : تشابهت ، وهذا لا يظن بابن أبي إسحاق ، فإنه رأس في علم النحو ، وممن أخذ النحو عن أصحاب أبي الأسود الدؤلي مستنبط علم النحو. وقد كان ابن أبي إسحاق يزري على العرب وعلى من يستشهد بكلامهم ، كالفرزدق ، إذا جاء في شعرهم ما ليس بالمشهور في كلام العرب ، فكيف يقرأ قراءة لا وجه