لمعنى ، فيكون لفظه ومعناه واحدا ، إذ ليس المعنى (وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ) للحجر الذي يتفجر منه الماء ، إنما المعنى للأحجار التي يتفجر منها الأنهار. وقد سبق الكلام على الأنهار في قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (١) الآية. وقد ذهب بعضهم إلى أن الحجر الذي يتفجر منه الأنهار ، هو الحجر الذي ضربه موسى بعصاه ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا.
(وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ) ، التشقق : التصدّع بطول أو بعرض ، فينبع منه الماء بقلة حتى لا يكون نهرا. وقرأ الجمهور : يشقق ، بتشديد الشين ، وأصله يتشقق ، فأدغم التاء في الشين. وقرأ الأعمش : تشقق ، بالتاء والشين المخففة على الأصل ، ورأيتها معزوّة لابن مصرّف. وفي النسخة التي وقفت عليها من تفسير ابن عطية. ما نصه : وقرأ ابن مصرّف : ينشقق ، بالنون وقافين ، والذي يقتضيه اللسان أن يكون بقاف واحدة مشدّدة ، وقد يجيء الفك في شعر ، فإن كان المضارع مجزوما ، جاز الفك فصيحا ، وهو هنا مرفوع ، فلا يجوز الفك ، إلا أنها قراءة شاذة ، فيمكن أن يكون ذلك فيها ، وأما أن يكون المضارع بالنون مع القافين وتشديد الأولى منهما ، فلا يجوز. قال أبو حاتم : يجوز لما تتفجر بالتاء ، ولا يجوز لما تتفجر بالتاء ، ولا يجوز تتشقق بالتاء ، لأنه إذا قال : تتفجر فأنثه لتأنيث الأنهار ، ولا يكون في تشقق. وقال أبو جعفر النحاس : يجوز ما أنكره أبو حاتم حملا على المعنى ، لأن المعنى : وإن منها للحجارة التي تشقق ، وإمّا يشقق بالياء ، فمحمول على اللفظ. انتهى ، وهو كلام صحيح. ولم ينقل هنا أن أحدا قرأ منها الماء ، فيعيد على المعنى ، إنما نقل ذلك في قوله : لما يتفجر منه الأنهار ، فكان قوله يتفجر حملا على اللفظ ومنها حملا على المعنى ومحسن هذا هنا انه ولى الضمير جمع وهو الأنهار ، فناسب الجمع الجمع ، ولأن الأنهار من حيث هي جمع ، يبعد في العادة أن تخرج من حجر واحد ، وإنما تخرج الأنهار من أحجار ، فلذلك ناسب مراعاة المعنى هنا. وأما فيخرج منه الماء ، فالماء ليس جمعا ، فلا يناسب في حمل منه على المعنى ، بل أجرى يشقق ، ومنه على اللفظ.
(وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) ، الهبوط هنا : التردّي من علو إلى أسفل. وقرأ الأعمش : يهبط ، بضم الباء ، وقد تقدم أنها لغة. وخشية الله : خوفه. واختلف المفسرون في تفسير هذا ، فذهب قوم إلى أن الخشية هنا حقيقة. واختلف هؤلاء ، فقال قوم معناه : من خشية الحجارة لله تعالى ، فهي مصدر مضاف للمفعول ، وأن الله تعالى جعل لهذه
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٥.