الأشرف ووهب بن يهوذا وأشباههما : اذهبوا وتجسسوا أخبار من آمن ، وقولوا لهم آمنا ، واكفروا إذا رجعتم ، فنزلت. وقيل : نزلت في قوم من اليهود قالوا لبعض المؤمنين : نحن نؤمن أنه نبي ، لكن ليس إلينا ، وإنما هو إليكم خاصة ، فلما خلوا ، قال بعضهم : أتقرون بنبوّته وقد كنا قبل نستفتح به؟ فهذا هو الذي فتح الله عليهم من علمه. وقيل : نزلت في قوم من اليهود كانوا يسمعون الوحي ، ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه.
وهذه الأقاويل كلها لا تخرج عن أن الحديث في اليهود الذين كانوا في زمان رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لأنهم الذين يصح فيهم الطمع أن يؤمنوا ، لأن الطمع إنما يصح في المستقبل ، والضمير في (أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) لليهود. والمعنى : استبعاد إيمان اليهود ، إذ قد تقدّم لأسلافهم أفاعيل ، وجزى أبناؤهم عليها. فبعيد صدور الإيمان من هؤلاء ، فإن قيل : كيف يلزم من إقدام بعضهم على التحريف حصول اليأس من إيمان الباقين؟ قيل : قال القفال : يحتمل أن يكون المعنى : كيف يؤمن هؤلاء وهم إنما يأخذون دينهم ويتعلمونه من قوم يحرفون عنادا؟ فإنما يعلمونهم ما حرفوه وغيروه عن وجهه ، والمقلدون يقبلون ذلك منهم ، فلا يلتفتون إلى الحق. وقيل : إياسهم من إيمان فرقة بأعيانهم.
والهمزة في أفتطمعون للاستفهام ، وفيها معنى التقرير ، كأنه قال : قد طمعتم في إيمان هؤلاء وحالهم ما ذكر. وقيل : فيه ضرب من النكير على الرغبة في إيمان من شواهد امتناعه قائمة. واستبعد إيمانهم ، لأنهم كفروا بموسى ، مع ما شاهدوا من الخوارق على يديه ، ولأنهم ما اعترفوا بالحق ، مع علمهم ، ولأنهم لا يصلحون للنظر والاستدلال. والخطاب في أفتطمعون ، للنبي صلىاللهعليهوسلم خاصة. خاطبه بلفظ الجمع تعظيما له ، قاله ابن عباس ومقاتل ، أو للمؤمنين ، قاله أبو العالية وقتادة ، أو للأنصار ، قاله النقاش ، أو لرسول الله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين ، أو لجماعة من المؤمنين ، أو لجماعة من الأنصار. والفاء بعد الهمزة أصلها التقديم عليها ، والتقدير : فأتطمعون ، فالفاء للعطف ، لكنه اعتنى بهمزة الاستفهام ، فقدمت عليها. والزمخشري يزعم أن بين الهمزة والفاء فعل محذوف ، ويقر الفاء على حالها ، حتى تعطف الجملة بعدها على الجملة المحذوفة قبلها ، وهو خلاف مذهب سيبويه ، ومحجوج بمواضع لا يمكن تقدير فعل فيها ، نحو قوله : (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ) (١) ، (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) (٢) ، (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ) (٣). أن يؤمنوا معمول لتطمعون على إسقاط حرف
__________________
(١) سورة الزخرف : ٤٣ / ١٨.
(٢) سورة الرعد : ١٣ / ١٩.
(٣) سورة الرعد : ١٣ / ٣٣.