وإلى قول أبي كثير الهذلي :
يا لهف نفسي كان جلدة خالد |
|
وبياض وجهك للتراب الأعفر |
وفسرت العبادة في إياك نعبد بأنها التذلل والخضوع ، وهو أصل موضوع اللغة أو الطاعة ، كقوله تعالى : (لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ) (١) ، أو التقرب بالطاعة أو الدعاء أن الذين يستكبرون عن عبادتي ، أي عن دعائي ، أو التوحيد إلا ليعبدون أي ليوحدون ، وكلها متقاربة المعنى. وقرنت الاستعانة بالعبادة للجمع بين ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى ، وبين ما يطلبه من جهته. وقدمت العبادة على الاستعانة لتقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة لتحصل الإجابة إليها ، وأطلق العبادة والاستعانة لتتناول كل معبود به وكل مستعان عليه. وكرر إياك ليكون كل من العبادة والاستعانة سيقا في جملتين ، وكل منهما مقصودة ، وللتنصيص على طلب العون منه بخلاف لو كان إياك نعبد ونستعين ، فإنه كان يحتمل أن يكون إخبارا بطلب لعون ، أي وليطلب العون من غير أن يعين ممن يطلب ..
ونقل عن المنتمين للصلاح تقييدات مختلفة في العبادة والاستعانة ، كقول بعضهم : إياك نعبد بالعلم ، وإياك نستعين عليه بالمعرفة ، وليس في اللفظ ما يدل على ذلك. وفي قوله : نعبد قالوا رد على الجبرية ، وفي نستعين رد على القدرية ، ومقام العبادة شريف ، وقد جاء الأمر به في مواضع ، قال تعالى : (وَاعْبُدْ رَبَّكَ) (٢) (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) (٣) ، والكناية به عن أشرف المخلوقين صلىاللهعليهوسلم. قال تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) (٤) ، (وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا) (٥) ، وقال تعالى ، حكاية عن عيسى ، على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام (قالَ : إِنِّي عَبْدُ اللهِ) (٦) ، وقال تعالى وتقدس : (لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي) (٧) فذكر العبادة عقيب التوحيد ، لأن التوحيد هو الأصل ، والعبادة فرعه. وقالوا في قوله : إياك. رد على الدهرية والمعطلة والمنكرين لوجود الصانع ، فإنه خطاب لموجود حاضر.
(اهْدِنَا) ، الهداية : الإرشاد والدلالة والتقدم ومنه الهوادي أو التبيين ، (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) (٨) أو الإلهاء (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) (٩) ، قال المفسرون : معناه ألهم
__________________
(١) سورة يس : ٣٦ / ٦٠.
(٢) سورة الحجر : ١٥ / ٩٩.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ٢١.
(٤) سورة الإسراء ١٧ / ١.
(٥) سورة الأنفال : ٨ / ٤١.
(٦) سوة مريم : ١٩ / ٣٠.
(٧) سورة طه : ٢٠ / ١٤.
(٨) سورة فصلت : ٤١ / ١٣.
(٩) سورة طه : ٢٠ / ٥٠.