إيمان هؤلاء وصفتهم هذه. وعلى الثاني يكون المعنى استبعاد الطمع في أن يقع من هؤلاء إيمان ، وقد كان أسلافهم على ما نص من تحريف كلام الله تعالى. فعلى هذا يكون الحال قيدا في إيمانهم. وعلى كلا التقديرين ، فكل منهما ، أعني من : أفتطمعون ، ومن يؤمنوا ، مقيد بهذه الحال من حيث المعنى. وإنما الذي ذكرناه تقتضيه صناعة الإعراب. وبيان التقييد من حيث المعنى أنك إذا قلت : أتطمع أن يتبعك زيد؟ وهو متبع طريقة أبيه ، فاستبعاد الطمع مقيد بهذه الحال ، ومتعلق الطمع ، الذي هو الاتباع المفروض وقوعه ، مقيد بهذه الحال. فمحصوله أن وجود هذه الحال لا يجامع الاتباع ، ولا يناسب الطمع ، بل إنما كان يناسب الطمع ويتوقع الاتباع ، مع انتفاء هذه الحال. وأما العامل في قوله : (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ، فقوله : (ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ) ، أي يقع التحريف منهم بعد تعقله وتفهمه ، عالمين بما في تحريفه من شديد العقاب ، ومع ذلك فهم يقدمون على ذلك ، ويجترئون عليه. والإنكار على العالم أشدّ من الإنكار على الجاهل ، لأن عند العالم دواعي الطاعة ، لما علم من ثوابها ، وتواني المعصية لما علم من عقابها. وذهب بعضهم إلى أن العامل في قوله : (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ، قوله : (عَقَلُوهُ) ، والظاهر القول الأول ، وهو قوله : (يُحَرِّفُونَهُ).
(وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا) : قرأ ابن السميفع : لاقوا ، قالوا : على التكثير. ولا يظهر التكثير ، إنما هو من فاعل الذي هو بمعنى الفعل المجرّد. فمعنى لاقوا ، ومعنى لقوا واحد ، وتقدّم شرح مفردات هذه الجملة الشرطية. ويحتمل أن تكون هذه الجملة مستأنفة منبئة عن نوع من قبائح اليهود الذين كانوا في زمان رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكاشفة عما أكنوه من النفاق. ويحتمل أن تكون جملة حالية معطوفة على قوله : (وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) الآية ، أي كيف يطمع في إيمانهم ، وقد كان من أسلافهم من يحرّف كلام الله ، وهؤلاء سالكو طريقتهم ، وهم في أنفسهم منافقون ، يظهرون موافقتكم إذا لقوكم ، وأنهم منكم وهم في الباطن كفار. فمن جمع بين هاتين الحالتين ، من اقتدائهم بأسلافهم الضلّال ، ومنافقتهم للمؤمنين ، لا يطمع في إيمانهم. والذين آمنوا هنا هم : أبو بكر وعمر وجماعة من المؤمنين ، قاله جمهور المفسرين. وقال بعضهم : المؤمنون هنا جماعة من اليهود آمنوا وأخلصوا في إيمانهم ، والضمير في لقوا لجماعة من اليهود غير معينة باقين على دينهم ، أو لجماعة منهم أسلموا ثم نافقوا ، أو لليهود الذين أمرهم رؤساؤهم من بني قريظة أن يدخلوا المدينة ويتجسسوا أخبار النبي صلىاللهعليهوسلم ، قالوا : ادخلوا المدينة وأظهروا الإيمان ، فإنه نهى أن يدخل المدينة إلا مؤمن.