المغتر بإضلال المضل مذموم ، وعلى أن الاكتفاء بالظن في الأصول غير جائز ، وعلى أن القول بغير دليل باطل ، وعلى أن ما تساوي وجوده وعدمه لا يجوز المصير إلى أحدهما إلا بدليل سمعي ، وتمسك بها أيضا منكرو القياس ، وخبر الواحد ، لأنهما لا يفيدان العلم.
(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ) الآية. قيل : نزلت في الذين غيروا صفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وبدّلوا نعته ، فجعلوه آدم سبطا طويلا ، وكان في كتابهم على الصفة التي هو بها ، فقالوا لأصحابهم وأتباعهم : انظروا إلى صفة هذا النبي الذي يبعث في آخر الزمان ، ليس يشبه نعت هذا ، وكانت الأحبار من اليهود يخافون أن يذهب مأكلتهم بإبقاء صفة النبي صلىاللهعليهوسلم على حالها ، فلذلك غيروها. وقيل : خاف ملوكهم على ملكهم ، إذا آمن الناس كلهم ، فجاءوا إلى أحبار اليهود فجعلوا لهم عليهم وضائع ومآكل ، وكشطوها من التوراة ، وكتبوا بأيديهم كتابا ، وحللوا فيه ما اختاروا ، وحرموا ما اختاروا. وقيل : نزلت في الذين لم يؤمنوا بنبي ، ولم يتبعوا كتابا ، بل كتبوا بأيديهم كتابا ، وحللوا فيه ما اختاروا ، وحرموا ما اختاروا ، وقالوا : هذا من عند الله. وقال أبو مالك : نزلت في عبد الله بن سعد بن سرح ، كاتب النبي صلىاللهعليهوسلم ، كان يغيره فارتد. وقد تقدم شرح ويل عند الكلام على المفردات ، وذكر عن عثمان ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم : أنه جبل من نار جهنم ، وذكر أن أبا سعيد روى : أنه واد في جهنم بين جبلين ، يهوي فيه الهاوي ، وذكر أن سفيان وعطاء بن يسار رويا أنه واد يجري بفناء جهنم من صديد أهل النار. وحكى الزهراوي وجماعة : أنه باب من أبواب جهنم. وقيل : هو صهريج في جهنم. وقيل ، عن سعيد بن جبير ، إنه واد في جهنم ، لو سجرت فيه جبال الدنيا لانماعت من حره ، ولو صح في تفسير الويل شيء عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لوجب المصير إليه. وقد تكلمت العرب في نظمها ونثرها بلفظة الويل قبل أن يجيء القرآن ، ولم تطلقه على شيء من هذه التفاسير ، وإنما مدلوله ما فسره أهل اللغة ، وهو نكرة فيها معنى الدعاء ، فلذلك جاز الابتداء بها ، إذ الدعاء أحد المسوّغات لجواز الابتداء بالنكرة ، وهي تقارب ثلاثين مسوّغا ، وذكرناها في كتاب (منهج المسالك) من تأليفنا.
والكتابة معروفة ، ويقال أول من كتب بالقلم إدريس ، وقيل : آدم. والكتاب هنا قيل : كتبوا أشياء اختلقوها ، وأحكاما بدلوها من التوراة حتى استقر حكمها بينهم. وقيل : كتبوا في التوراة ما يدل على خلاف صفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وبنوها في سفهائهم ، وفي العرب ، وأخفوا تلك النسخ التي كانت عندهم بغير تبديل ، وصار سفهاؤهم ، ومن يأتيهم من مشركي العرب ، إذا سألوهم عن صفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، يقولون : ما هو هذا الموصوف عندنا في