إحسانا منا للموصين ، إذ يترتب لهم على امتثال ذلك الثواب الجزيل والأجر العظيم ، أو إحسانا منا للموصى بهم. وقد جاء هذا الفعل مصرّحا به في قوله تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً) (١). والمختار ، الوجه الثاني : لعدم الإضمار فيه ، ولاطراد مجيء المصدر في معنى فعل الأمر.
(وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ) : معطوف على قوله : وبالوالدين. وكان تقديم الوالدين لأنهما آكد في البر والإحسان ، وتقديم المجرور على العامل اعتناء بمتعلق الحرف ، وهما الوالدان ، واهتماما بأمرهما. وجاء هذا الترتيب اعتناء بالأوكد. فبدأ بالوالدين ، إذ لا يخفى تقدمهما على كل أحد في الإحسان إليهما ، ثم بذي القربى ، لأن صلة الأرحام مؤكدة أيضا ، ولمشاركته الوالدين في القرابة ، ثم باليتامى ، لأنهم لا قدرة لهم تامة على الاكتساب ، وقد جاء : «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة» وغير ذلك من الآثار ، ثم بالمساكين لما في الإحسان إليهم من الثواب. وتأخرت درجة المساكين ، لأنه يمكنه أن يتعهد نفسه بالاستخدام ، ويصلح معيشته ، بخلاف اليتامى ، فإنهم لصغرهم لا ينتفع بهم ، وهم محتاجون إلى من ينفعهم. وأول هذه التكاليف هو إفراد الله بالعبادة ، ثم الإحسان إلى الوالدين ، ثم إلى ذي القربى ، ثم إلى اليتامى ، ثم إلى المساكين. فهذه خمسة تكاليف تجمع عبادة الله ، والحض على الإحسان للوالدين ، والمواساة لذي القربى واليتامى والمساكين ، وأفرد ذا القربى ، لأنه أراد به الجنس ، ولأن إضافته إلى المصدر يندرج فيه كل ذي قرابة.
(وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) : لما ذكر بعد عبادة الله الإحسان لمن ذكر ، وكان أكثر المطلوب فيه الفعل من الصلة والإطعام والافتقاد ، أعقب بالقول الحسن ، ليجمع المأخوذ عليه الميثاق امتثال أمر الله تعالى في الأفعال والأقوال ، فقال تعالى : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً). ولما كان القول سهل المرام ، إذ هو بذل لفظ ، لا مال ، كان متعلقه بالناس عموما إذ لا ضرر على الإنسان في الإحسان إلى الناس بالقول الطيب. وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب : حسنا بفتح الحاء والسين. وقرأ عطاء بن أبي رباح وعيسى بن عمر : حسنا بضمهما. وقرأ أبي وطلحة بن مصرّف : حسنى ، على وزن فعل. وقرأ الجحدري : إحسانا. فأما قراءة الجمهور حسنا ، فظاهره أنه مصدر ، وأنه كان في الأصل قولا حسنا ، أما على حذف مضاف ، أي ذا حسن ، وأما على الوصف بالمصدر لإفراط حسنه ، وقيل : يكون
__________________
(١) سورة العنكبوت : ٢٩ / ٨.