تتظاهرون على الأصل. فهذه خمس قراءات ، ومعناها كلها التعاون والتناصر. وروى أبو العالية قال : كان بنو إسرائيل إذا استضعفوا قوما أخرجوهم من ديارهم. عليهم بالإثم : فيه قولان : أحدهما : أنه الفعل الذي يستحق عليه صاحبه الذمّ واللوم ، والثاني : أنه الذي تنفر منه النفس ولا يطمئن إليه القلب. وفي حديث النّواس : الإثم ما حاك في صدرك. وقيل : المعنى تظاهرون عليهم بما يوجب الإثم ، وهذا من إطلاق السبب على مسببه ، ولذلك سميت الخمر إثما ، كما قال :
شربت الإثم حتى ضل عقلي
(وَالْعُدْوانِ) : هو تجاوز الحدّ في الظلم. (وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى) : قراءة الجمهور بوزن فعالى ، وحمزة بوزن فعلى. (تُفادُوهُمْ) : قرأه نافع وعاصم والكسائي من فادى ، وقرأ الباقون : من فدى. قال ابن عطية : وحسن لفظ الإتيان من حيث هو في مقابلة الإخراج فيظهر التضاد المقبح لفعلهم في الإخراج ، يعني : أنه لا يناسب من أسأتم إليه بالإخراج من ديارهم أن تحسنوا إليهم بالفداء ، ومعنى تفادوهم : تفدوهم ، إذ المفاعلة تكون من اثنين ، ومن واحد. ففاعل بمعنى : فعل المجرد ، وهو أحد معانيها. وقيل : معنى فادى : بادل أسيرا بأسير ، ومعنى فدى : دفع الفداء ، ويشهد للأوّل قول العباس : فاديت نفسي وفاديت عقيلا. ومعلوم أنه ما بادل أسيرا بأسير. وقيل : معنى تفدوهم بالصلح ، وتفادوهم بالعنف. وقيل تفادوهم : تطلبوا الفدية من الأسير الذي في أيديكم من أعدائكم ، ومنه قوله :
قفي فادي أسيرك إن قومي |
|
وقومك ما أرى لهم اجتماعا |
وتفدوهم : تعطوا فديتهم. وقال أبو علي معنى تفادوهم في اللغة ، تطلقونهم بعد أن تأخذوا عنه شيئا. وفاديت نفسي : أي أطلقتها بعد أن دفعت شيئا. وفادى وفدى يتعدّيان إلى مفعولين ، الثاني بحرف جر ، وهو هنا به محذوف. (وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ) : تقدّمت أربعة أشياء : قتل النفس ، والإخراج من الديار ، والتظاهر ، والمفاداة ، وهي محرّمة. واختص هذا القسم بتأكيد التحريم ، وإن كانت كلها محرّمة ، لما في الإخراج من الديار من معرّة الجلاء والنفي الذي لا ينقطع شره إلا بالموت ، وذلك بخلاف القتل ، لأن القتل ، وإن كان من حيث هو هدم البنية ، أعظم ، لكن فيه انقطاع الشر ، وبخلاف المفاداة بها ، فإنها من جريرة الإخراج من الديار والتظاهر ، لأنه لو لا الإخراج من الديار والتظاهر عليهم ، ما وقعوا في قيد الأسر. وقد يكون أيضا مما حذف فيه من كل جملة ذكر التحريم ،