ابتداء ، وإخراجهم خبر. انتهى ما نقله في هذا القول. والمنقول عن الكوفيين عكس هذا الإعراب ، وهو أن يكون الفصل قد قدم مع الخبر على المبتدأ ، فإعراب محرم عندهم خبر مقدم ، وإخراجهم مبتدأ ، وهو المناسب للقواعد ، إذ لا يبتدأ بالاسم إذا كان نكرة ، ولا مسوغ لها ، ويكون الخبر معرفة ، بل المستقر في لسانهم عكس هذا ، إلا إن كان يرد في شعر ، فيسمع ولا يقاس عليه. قال ابن عطية : وقيل هو الضمير المقدّر في محرم قدم وأظهر. انتهى ما نقله في هذا القول. وهذا القول ضعيف جدا ، إذ لا موجب لتقدّم الضمير ، ولا لبروزه بعد استتاره ، ولأنه يؤدّي إلى خلو اسم المفعول من ضمير ، إذ على هذا القول يكون محرّم خبرا مقدّما ، وإخراجهم مبتدأ ، ولا يوجد اسم فاعل ولا مفعول عاريا من الضمير ، إلا إذا رفع الظاهر. ولا يمكن هنا أن يرفع الظاهر ، لأن الضمير المنفصل المقدم هو كان الضمير المرفوع بمحرم ، ثم يبقى هذا الضمير لا يدري ما إعرابه ، إذ لا جائز أن يكون مبتدأ ، ولا جائز أن يكون فاعلا مقدّما. قال ابن عطية : وقيل هو ضمير الإخراج ، تقديره : وإخراجهم محرم عليكم. انتهى ما نقله في هذا القول ، ولم يبين وجه ارتفاع إخراجهم ، ولا يتأتى على أن يكون هو ضميره ، ويكون إخراجهم تفسيرا لذلك المضمر ، إلا على أن يكون إخراجهم بدلا من الضمير. وقد تقدم أن في ذلك خلافا ، منهم من أجاز ومنهم من منع.
(أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) : هذا استفهام معناه التوبيخ والإنكار. ولم يذمّهم على الفداء ، بل على المناقضة ، إذ أتوا ببعض الواجب ، وتركوا بعضا. وتكون المناقضة آكد في الذمّ ، ولا يقال الإخراج معصية. فلم سماها كفرا؟ لأنا نقول : لعلهم صرّحوا بأن ترك الإخراج غير واجب ، مع أن صريح التوراة كان دالا على وجوبه. والبعض الذي آمنوا به ، إن كان المراد بالكتاب التوراة ، فيكون عامّا فيما آمنوا به من أحكامها ، وفداء الأسير من جملته. والبعض الذي كفروا به : هو قتل بعضهم بعضا ، وإخراج بعضهم من ديارهم ، والمظاهرة بالإثم والعدوان ، من جملة ما كفروا به من التوراة. وقيل : معناه يستعملون البعض ويتركون البعض ، تفادون أسرى قبيلتكم ، وتتركون أسرى أهل ملتكم ولا تفادونهم. وقيل : إن عبد الله بن سلام مرّ على رأس الجالوت بالكوفة ، وهو يفادي من النساء من لم يقع عليه الحرب ، ولا يفادي من وقع عليه الحرب. قال : فقال ابن سلام : أما إنه مكتوب عندك في كتابك أن تفاديهنّ كلهنّ. وقال مجاهد : معناه إن وجدته في يد غيرك فديته ، وأنت تقتله بيدك. وقيل : المراد التنبيه على أنهم في تمسكهم بنبوّة موسى ، على