لانقطاع النفس. وجاء يقتلون بصورة المضارع ، والمراد الماضي ، إذ المعنى : قل فلم قتلتم ، وأوضح ذلك أن هؤلاء الذين بحضرة رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يصدر منهم قتل الأنبياء ، وأنه قيد بقوله (مِنْ قَبْلُ) ، فدل على تقدم القتل.
قال ابن عطية : وفائدة سوق المستقبل في معنى الماضي الإعلام بأن الأمر مستمر. ألا ترى أن حاضري محمد صلىاللهعليهوسلم لما كانوا راضين بفعل أسلافهم ، بقي لهم من قتل الأنبياء جزء ، وفي إضافة أنبياء إلى الله تشريف عظيم لهم ، وأنه كان ينبغي لمن جاء من عند الله أن يعظم أجلّ تعظيم ، وأن ينصر ، لا أن يقتل. (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) قيل : إن نافية أي ما كنتم مؤمنين ، لأن من قتل أنبياء الله لا يكون مؤمنا ، فأخبر تعالى أن الإيمان لا يجامع قتل الأنبياء ، أي ما اتصف بالإيمان من هذه صفته. قيل : والأظهر أن إن شرطية ، والجواب محذوف ، التقدير : فلم فعلتم ذلك؟ ويكون الشرط وجوابه قد كرر مرتين على سبيل التوكيد ، لكن حذف الشرط من الأول وأبقى جوابه وهو : فلم تقتلون؟ وحذف الجواب من الثاني وأبقى شرطه. وقال ابن عطية : وإن كنتم : شرط ، والجواب متقدم. ولا يتمشى قوله هذا إلا على مذهب من يجيز تقدم جواب الشرط ، وليس مذهب البصريين إلا أبا زيد الأنصاري والمبرد منهم. ومعنى مؤمنين : أي بما أنزل إليكم ، أو متحققين بالإيمان صادقين فيه ، أو مؤمنين بزعمكم. وأجرى هذا القول مجرى التهكم بهم والاستهزاء ، كما تقول لمن بدا منه ما لا يناسبه : فعلت كذا وأنت عاقل ، أي بزعمك.
(وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ) : أي بالآيات البينات ، وهي الواضحة المعجزة الدالة على صدقه. وقيل : التسع ، وهي : العصا ، والسنون ، واليد ، والدم ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، وفلق البحر. وهي المعنى بقوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) (١). (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ ، وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) : تقدم تفسير هذه الجمل ، وإنما كررت هنا لدعواهم أنهم يؤمنون بما أنزل عليهم ، وهم كاذبون في ذلك. ألا ترى أن اتخاذ العجل ليس في التوراة؟ بل فيها أن يفرد الله بالعبادة ، ولأن عبادة غير الله أكبر المعاصي ، فكرر عبادة العجل تنبيها على عظيم جرمهم. ولأن ذكر ذلك قبل ، أعقبه تعداد النعم بقوله : (ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ) (٢) ، و (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) (٣). وهنا أعقبه التقريع والتوبيخ. ولأن في
__________________
(١) سورة الإسراء : ١٧ / ١٠١.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٥٢.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ٦٤.