(يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ) (١). ودلت هذه الآية على تعظيم جبريل والتنويه بقدره ، حيث جعله الواسطة بينه تعالى وبين أشرف خلقه ، والمنزل بالكتاب الجامع للأوصاف المذكورة. ودلت على ذم اليهود حيث أبغضوا من كان بهذه المنزلة الرفيعة عند الله تعالى ، قالوا : وهذه الآية تعلقت بها الباطنية ، وقالوا : إن القرآن إلهام والحروف عبارة الرسول. وردّ عليهم : بأنه معجزة ظاهرة بنظمه ، وأن الله سماه وحيا وكتابا وعربيا ، وأن جبريل نزل به ، والملهم لا يحتاج إلى جبريل.
(مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ) : العداوة بين الله والعبد لا تكون حقيقة ، وعداوة العبد لله تعالى مجاز ، ومعناها : مخالفة الأمر ، وعداوة الله للعبد ، مجازاته على مخالفته. (وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ). أكد بقوله : وملائكته ، أمر جبريل ، إذ اليهود قد أخبرت أنه عدوهم من الملائكة ، لكونه يأتي بالهلاك والعذاب ، فرد عليهم في الآية السابقة ، بأنه أتى بأصل الخيور كلها ، وهو القرآن الجامع لتلك الصفات الشريفة ، من موافقته لكتبهم ، وكونه هدى وبشرى ، فكانت تجب محبته. وردّ عليهم في هذه الآية ، بأن قرنه باسمه تعالى مندرجا تحت عموم ملائكته ، ثم ثانيا تحت عموم رسله ، لأن الرسل تشمل الملائكة وغيرهم ممن أرسل من بني آدم ، ثم ثالثا بالتنصيص على ذكره مجردا مع من يدّعون أنهم يحبونه ، وهو ميكال ، فصار مذكورا في هذه الآية ثلاث مرار ، كل ذلك رد على اليهود وذم لهم ، وتنويه بجبريل. ودلت الآية على أن الله تعالى عدوّ لمن عادى الله وملائكته ورسله وجبريل وميكال. ولا يدل ذلك على أن المراد من جمع عداوة الجميع ، فالله تعالى عدوّه ، وإنما المعنى أن من عادى واحدا ممن ذكر ، فالله عدوه ، إذ معاداة واحد ممن ذكر معاداة للجميع. وقد أجمع المسلمون على أن من أبغض رسولا أو ملكا فقد كفر. فقال بعض الناس : الواو هنا بمعنى أو ، وليست للجمع. وقال بعضهم : الواو للتفصيل ، ولا يراد أيضا أن يكون عدوا لجميع الملائكة ، ولا لجميع الرسل ، بل هذا من باب التعليق على الجنس بصورة الجمع ، كقولك : إن كلمت الرجال فأنت طالق ، لا يريد بذلك إن كلمت كل الرجال ، ولا أقل ما ينطلق عليه الجمع ، وإنما علق بالجنس ، وإن كان بصورة الجمع ، فلو كلمت رجلا واحدا طلقت ، فكذلك هذا الجمع في الملائكة والرسل. فالمعنى أن من عادى الله ، أو ملكا من ملائكته ، أو رسولا من رسله ، فالله عدوّ له.
__________________
(١) سورة التوبة : ٩ / ٢١.